حمد الجوعان... المظلوم!
رمزية المغفور له حمد الجوعان في ضمير الكويتيين تعود إلى الإخلاص والتفاني من أجل بلده وتحمله المسؤولية والإبداع في ذلك من خلال المهام التي تصدي لها، فالمرحوم من مؤسسي قطاع التأمينات الاجتماعية، وما تحمله هذه المؤسسة من فضل على كل مواطن كويتي يحال إلى المعاش ليتمتع بحياة كريمة فيما تبقى من عمره، فضلاً عن ريادية الفكرة ذاتها في منتصف سبعينيات القرن الماضي، الأمر الذي يعكس الجانب المشرق في الفكر الكويتي والمنظور الاستراتيجي الذي كان يتمتع به كبار المسؤولين في الدولة في ذلك الوقت، وهذا ما نتحسر على فقدانه في الوقت الحاضر.من ناحية ثانية، ارتبط اسم حمد جوعان بالتاريخ السياسي الحديث، وتحول إلى رمز سوف تخلده الديمقراطية الكويتية، على الرغم من عضويته في البرلمان لدورتين تشريعيتين فقط، فكان، رحمه الله، من فرسان مجلس 1985 الأسطوري، ومن الأبطال الذين اقتحموا الأبواب المغلقة والخطوط الحمراء الوهمية التي كان الكثير من الناس، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة، يخشون الاقتراب منها، فعلمنا الجوعان أنه لا يوجد أحد فوق القانون أو المساءلة، وبفضله فتحت عيون الكويتيين على الأسرار المالية التي كانت محصنة ضد الرقابة والشفافية، ويسجل له أنه أول نائب يؤتمن على فتح الملفات والأرصدة المالية في البنك المركزي ليكتشف طرق التلاعب والسرقات المنظمة لأموال الدولة.
هذه البطولات لم تخلُ من ثمن، فدفع حمد الجوعان ضريبة مواقفه الوطنية وحسه الشريف عالياً وغالياً، فتعرض بشكل غادر وجبان للاغتيال بعد صموده في الداخل طوال فترة الغزو والاحتلال، وأصيب نتيجة لذلك بالشلل والعجز الكلي، لكن ذلك لم يمنعه من العودة إلى مجلس الأمة على كرسي متحرك ومواصلة العطاء في دورة ثانية امتدت أربع سنوات حافظ خلالها على نجوميته السياسية وكسب قلوب الناس وعقولهم أكثر فأكثر.شخصياً، لم أتشرف بزمالة المرحوم الجوعان، ولكنه كان قدوة وطنية وبرلمانية أعتز بها، ليس فقط كمدرسة سياسية بل كحافز ودافع لمواصلة العمل الوطني رغم صعوبته في زمننا هذا، وقد تشرفت بعيادة المرحوم عدة مرات في مستشفيات لندن، فرأيته في كل مرة أكثر عزماً على التمسك بالمبادئ، ومن المتابعين للشأن السياسي بتفاصيله الدقيقة، ولم يبخل في إسداء النصح وتقديم الدعم المعنوي للخط السياسي الوطني.هذا الرجل، رغم هذه الجوانب المشرقة في حياته، كان يصارع الألم الدائم في كل لحظة عاشها منذ إصابته، وعلى مدى أكثر من ربع قرن، بل كان يعيش الوجع والمرارة يومياً ثمناً لمواقفه ومبادئه، ونحتسب أجر ذلك وثوابه له عند رب العالمين، إلا أنه مات مظلوماً، فقد هرب الجناة بجريمتهم وأفلتوا من العقاب، ولم يتم القصاص لمعاناته وآلام مرضه طوال 25 سنة، وتقاعست الحكومة عن دورها في كشف هذه الجريمة وتقديم القتلة إلى العدالة، فلله درك يا عم حمد، فقد وفدت إلى رحاب العدالة الإلهية حيث المثوبة والرحمة نظير ما قدمته لهذا البلد، والقصاص واللعنة على قاتليك.