على مدى 70 دقيقة، استمتع الحضور بالعرض الأوبرالي الشهير "دون جيوفاني"، للموسيقار الشهير موتسارت، الذي قدمته فرقة "الأحمدي" الموسيقية، على مسرح عبدالحسين عبدالرضا، الذي شهد ليلة من ليالي التميز الفني.

وكان أبرز ما في العرض، أبطال العمل، من المغنين المؤدين وراقصات البالية وعازفي الأوكسترا، الذين جسَّدوا هذا العمل الساحر، الذي تميز بتسخير الموسيقى والأصوات والكلمات الرومانسية تارة، والحادة مرات، لتقديم قصة دون جوان (لفاسق المُعاقب)، الذي أسر قلوب النساء، وقيدهم بقيود الرومانسية والشغف الأبدي.

Ad

كان المسرح على غير العادة كامل العدد، رغم تأخير العرض لمدة ساعة عن الموعد المحدد سلفا، لكن الجماهير نست معاناة الانتظار، بعدما انغمست عقليا وروحيا مع روعة الصراع بين الكلمة والموسيقى وعظمة الأداء، من خلال التناغم بين طبقات الاصوات للمغنين في هذه "الدراما المرحة"، التي تجمع في طياته بين الكوميديا والميلودراما.

بدأ الفصل الأول من الأوبرا، بظهور ليبوريلي خادم جيوفاني، وهو يقرأ منتشيا من سجله الأسود عن عدد النساء اللاتي أغواهن الدون، في كل دولة مرَّ بها، حتى بلغن 1003 في إسبانيا وحدها! وعمل على ربط الميزات الموسيقية بصفات متنوعة لتصوير نساء الطبقة الوسطى بنوطات موسيقية قصيرة، وسيدات الشأن الرفيع بنوطات ذات حجم أكبر.

وأدت الفرقة الموسيقية بمهارة الموسيفى التصويرية التي وضعها موتسارت، لتكون خلفية للحوار بين جيوفاني وضحيته بتناغم عالٍ، ولاسيما عندما تبادلا الأبيات الشعرية، وما تلا ذلك من محاولات الدون جوان إخضاع ضحاياه، وهو أفضل ما ألّفه موتسارت في هذه الأوبرا بشكل مطلق، فقد رتب التلميحات في المقدمة، ورمزت النغمات التبشيرية إلى قدر مغوي النساء، في النهاية.

وهذا العمل الأوبرالي الرائع (دون جيوفاني)، الذي قدمه موتسارت في 20 أكتوبر 1787 على مسرح مدينة براغ للمرة الأولى، حيث كانت تتمتع العاصمة التشيكية حينذاك، بجمالها وموقعها الثقافي والحضاري، كواحدة من عواصم الثقافة الأوروبية.

يتحدث عن زير النساء دون جيوفاني، الذي يقيم في واحدة من مدن إسبانيا، ويمضي وقته في خيانه زوجته الدونيا الفيرا، بمساعدة خليله الأمين ومساعده ليبوريللو، فينتقل بمساعده هذا الأخير، من مغامرة إلى أخرى ومن امرأة إلى غيرها، ومن موقف خطر إلى الذي يليه، حتى اللحظة التي يتورط فيها ذات مرة في مغازلة الدونيا آنا، التي ترفضه، ثم يتولى أبوها الـ"كوموندانتي" مطاردته، ويدعوه إلى المبارزة، فيقتل الأب، ويجد دون جيوفاني نفسه في مأزق يهدد وجوده، فضلا عن سمعته ومكانته في المجتمع. غير أن هذا كله لا يردعه عن متابعه مغامراته وحياه الأفاقين إلى أن يحدث له في نهاية الأمر أن يتمكن من الانتقام منه حتى بعد موته.