حملات مكافحة الفساد والكسب غير المشروع

نشر في 21-05-2016
آخر تحديث 21-05-2016 | 00:00
ترتكز الاستراتيجيات التي طرحها صندوق النقد الدولي من أجل «تخفيف» تأثيرات الفساد على الشفافية وتحسين أداء حكم القانون، وبناء المؤسسات، ومحاولات تغيير القوانين الاجتماعية في المجتمعات الفاسدة بصبر وروية، غير أن هذه التوصيات كلها طبقتها بعض الأنظمة الأكثر فساداً في العالم بصورة زائفة وخادعة.
 بلومبرغ • تصادف منتدى أقامه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول مكافحة الفساد مع نشر ورقة من صندوق النقد الدولي تشرح أسباب اعتبار هذه الظاهرة سيئة بالنسبة الى الدول والاقتصاد كما تقترح طرقاً عملية لاستئصالها واجتثاثها. ولكن لا تلك التوصيات ولا الاخرى التي طرحت في المنتدى المذكور سوف تقدم الكثير من أجل اصلاح مشاكل الدول النامية، وسوف يتطلب ذلك ما هو أكثر بقدر كبير من مجرد اصدار قوانين محاربة الفساد والكسب غير المشروع.

وقد تناول ذلك المنتدى الكثير من المواضيع المتعلقة بالجهود الرامية الى استعادة الثروات المسروقة اضافة الى الحديث عن الشفافية بصورة عامة، ويأمل كاميرون محو السمعة التي تكونت عن العاصمة البريطانية لندن كملاذ لأموال الفساد. ويريد كاميرون أن تعلن كل الشركات الأجنبية التي تملك عقارات في المملكة المتحدة عن أصولها هناك وأن توثق ذلك في سجل عام، وعلى أي حال أشك في أن يكون لذلك فائدة كبيرة؛ ففي معظم الحالات لن تشتمل تلك العملية على أي شيء غير تقديم لوائح تتعلق بالعقارات والممتلكات في لندن، وأسماء ملاك تلك العقارات لن يعني أي شيء الى أي جهة أو أنها تخص شخصيات ذات شركات مشروعة وقانونية.

عملية استعادة الأصول محيرة: وكبداية نقول إنه يتعين أن تصدر المحاكم أحكامها بحق أصحاب العقارات، وفي دول الفساد تعتبر المحاكم بين المؤسسات الأشد فساداً، وقد اضطر الاتحاد الأوروبي الى ابعاد شركاء الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش من قائمة العقوبات بعد أن أخفق النظام القضائي الأوكراني في القاء القبض عليهم.

استراتيجيات صندوق النقد

الاستراتيجيات التي طرحها صندوق النقد الدولي من أجل " تخفيف " تأثيرات الفساد تركز أيضاً على الشفافية وتحسين أداء حكم القانون وبناء المؤسسات والقيام بمحاولات تغيير القوانين الاجتماعية في المجتمعات الفاسدة بصبر وروية. وهذه كلها تقع في خانة التوصيات المعروفة جيداً والتي طبقتها بعض الأنظمة الأكثر فساداً في العالم بصورة زائفة وخادعة.

ويوجد في روسيا نظام مشتريات حكومي شفاف والكتروني تحسدها عليه الدول الاخرى لو أن الشركات "الصحيحة" لم تكن تحصل على كل المناقصات على أي حال، ولدى أوكرانيا ثلاث هيئات مكلفة بمكافحة الفساد والكسب غير المشروع ، وهي: المكتب الوطني لمكافحة الفساد والوكالة الوطنية لمنع الفساد ومكتب الادعاء العام المختص بمكافحة الفساد، ولكنها لا تزال تزخر بعمليات فساد الى درجة دفعت صندوق النقد الدولي الى حجب آخر حزمة من عملية الانقاذ المخصصة لذلك البلد.

وكاخا بندوكيدز الذي نقلت برامجه الاصلاحية جمهورية جورجيا من المركز الـ 124 على مؤشر الشفافية الدولية في سنة 2003 الى المركز الخمسين اليوم، قال في مقابلة أجريت معه من قبل الصحافي الأوكراني فلاديمير فيدورين إنه حضر ذات مرة منتدى أعمال أميركي – روسي لمكافحة الفساد نظمه معهد راند وشارك فيه دونالد رامسفيلد وبول أونيل وكلاهما لعبا دوراً قيادياً ورائداً في عهد ادارة الرئيس جورج دبليو بوش.

يومها قال: "كان أحد المشاركين الروس يشتكي من الفساد، وهكذا قال رامسفيلد: أنا أظن أنه توجد طريقة بسيطة لمكافحة الفساد، وهي إقرار قانون يحظر عمليات الفساد"، وقد انطلقت ضحكات عالية من جانب كل المشاركين الروس فيما هز الأميركيون رؤوسهم بالموافقة قائلين نعم... نعم ".

قد لا تكون الأمور سارت على ذلك الشكل تماماً، ولكن بندوكيدز الذي اشتهر ببراعته انتهز تلك الفرصة لطرح قضية مهمة، إذ يشدد خبراء الغرب على الجانب المؤسساتي والقانوني وفرض القانون، كما لو أنهم لا يعلمون أن القوانين يمكن تجاهلها والمؤسسات تعاني من تخريب، وقوات تطبيق القانون يمكن أن تصبح جزءا من المشكلة لا الحل.

الحل المقترح

الحل الذي طرحه بندوكيدز لم يكن من النوع الذي يقدم على شكل توصية في مؤتمرات دولية أو درايات صادرة عن صندوق النقد الدولي، وقد وصف تلك العملية على النحو التالي: "ساعد التحرير والتخلص من التنظيم على تدمير واجتثات الفساد وقد أسهم ذلك، بدوره، في مساعدة التحرير والتخلص من التنظيم".

وبندوكيدز، الذي دفع ملايين الدولارات على شكل رشاوى أثناء تحقيقة لثروات ضخمة في روسيا كان يعرف كل الخطط العامة والشائعة اضافة الى العديد من اللاعبين عندما عينه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي وزيراً للإصلاح الاقتصادي في سنة 2004، وقد أودع ساكاشفيلي، أكبر المفسدين والمختلسين، السجن وأجبر آخرين على اعادة معظم ثرواتهم الى الدولة، ولم تتم هذه العملية وفقاً للمقاييس الغربية ولكنها نجحت بصورة لافتة.

كانت نظرية بندوكيدز تقوم على أساس أن القضاء على الفساد يتطلب تخلص الحكومة من الدوائر والمؤسسات التي تعرف الحكومة أن في وسعها الاستغناء عنها وتخفض الاتصالات بين المواطنين والحكومة الى الحد الأدنى، وهكذا أوقف لجنة محاربة تجميع الرساميل التي قال انها كانت تحصل على رشاوى ولا شيء غير ذلك اضافة الى حل قوات شرطة المرور الفاسدة ولم يستتبع ذلك أي تداعيات، ثم تغيرت ثقافة جورجيا بصورة سريعة ولم تتأثر البلاد من حيث الشفافية حتى بعد طرد بندوكيدو وساكشافلي من الحكم. وتعتبر جورجيا اليوم الدولة الأنظف في الكتلة السوفياتية السابقة ولكن ليس هناك أي دولة اخرى – بما في ذلك أوكرانيا بعد الثورة – حصلت على الجرأة اللازمة كي نحذو حذو جورجيا.

واعتبر الاقتصادي هرناندو دي سوتو البيروقراطية المفرطة العامل الأساسي للفساد في العالم النامي. وفي دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، وهي ضمن أكثر دول العالم فساداً، تم توريث البيروقراطية في أغلب الأحيان منذ الوقت الذي كان فيه غش وخداع الدولة تسلية وطنية، وهكذا تحول الفساد في تلك الدول الى جزء تقليدي من النسيج الاجتماعي وإلى دعامة للنظام، وغدت الطريقة الوحيدة للقضاء على الفساد أخذ الخيوط من أيدي البيروقراطيين وحرمانهم من أي فرصة لتحصيل ايجار.

ورقة الصندوق

اشتملت ورقة صندوق النقد الدولي على ثلاث فقرات محددة حول إزالة التنظيم المفرط، ولكن واحدة من تلك الفقرات شددت على أهمية التقنية كما حذرت اخرى من أن عدم التنظيم يمكن أن يشتمل على أخطار، وخاصة عندما يكون اطار العمل غير متقدم. وهذه الأخطار، بحسب الورقة المشار اليها، ترتبط بالاحتكارات التي نشأت نتيجة الخصخصة التي نجمت عن عهد ما بعد الاتحاد السوفياتي، وكان أسلوب بندوكيدز ازاء من هيمنوا على مفاصل الدولة في تلك الفترة يقوم على مطالبتهم بالتقيد بالقانون أو مواجهة السجن، ولكن ذلك لا يمكن أن يكون جزءا من أي اطار عمل دستوري.

إن استئصال الفساد في أي دولة يكون فيها طريقة عيش لن يتحقق من خلال التقيد بالقوانين، وربما لم تكن طريقة بندوكيدز الوحيدة الممكنة ولكن لاتوجد وصفة مفيدة تعتمد فقط على توصيات من جمعيات قانونية غربية، ودول ما بعد العهد الشيوعي وربما العديد منها في إفريقيا وآسيا تتمتع بتقاليد عميقة وراسخة في تخريب الأنظمة ومؤسسات السلطة.

وبحسب صندوق النقد الدولي فإن الفساد يكلف العالم حوالي 1.5 تريليون دولار الى تريليوني دولار سنوياً، أو ما يعادل 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد العالمي، وذلك من خلال تقويض حوافز دافعي الضرائب على مشاركة دخلهم مع الحكومة وزيادة التكلفة وتقويض نوعية الانفاق العام وحجب الاستثمارات الخاصة والانتاجية. ويحدث معظم أشكال الخسائر في الدول التي لا تستطيع تحملها، وليس بوسع الغرب عمل الكثير من أجل المساعدة في هذا الشأن، سواء من حيث تطبيق القانون أو تقديم النصح والمشورة.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky

إصلاح مشاكل الدول النامية يتطلب أكثر من مجرد إصدار قوانين لمحاربة الفساد والكسب غير المشروع

كاميرون يأمل محو السمعة التي تكونت عن لندن بأنها ملاذ لأموال الفساد
back to top