تسويف
في أكتوبر 2010 نشرت مجلة "نيويوركر" مقالاً بعنوان "later"، أي "في ما بعد"، وماذا يخبرنا التسويف "بروكراستيشن" عن أنفسنا، ويبدأ المقال بحكاية عالم الاقتصاد "اكرولوف" الذي كان في الهند، وأراد أن يرسل لصديقه في الولايات المتحدة طرداً عبارة عن صندوق لملابس الأخير، وظل يسوف ويتأخر في إرسال الطرد يوماً بعد يوم حتى استطالت المدة لثمانية أشهر، كانت العقبة النفسية أمام عالم الاقتصاد هو بيروقراطية الإدارة في إرسال الطرود، كتبت، في ذلك الوقت، عن معنى التسويف بأنه كما ورد في المقال بأنه "تأخير في إنجاز واجب ما مع علمك بأن مثل هذا التأخير القصدي سوف يترتب عليه أضرار أكثر لو تم إنجاز العمل في وقته". حسب ذلك المقال، مليارات الدولارات بالولايات المتحدة، مثلاً، يهدرها الأفراد بسبب التسويف في الإفصاح عن الضريبة وسدادها. لنترك مقال "نيويوركر" جانباً، ونسأل ما إذا كانت الحكومة مصابة بداء التسويف، الإجابة لا تستحق التفكير الطويل، فالكويت، ومن في حكمها، هي موطن التسويف، يكفي أن نمر مرور الكرام على دراسات وتوصيات مجالس التخطيط الكثيرة لحل مشاكل الدولة الأبدية، ولنقرأ معها توصيات ووعود مؤسسات حكومية لنعرف كيف انتهت آخر الأمر حين قبرت في درج مكتب مغبر لمسؤول حمل على كتفيه لوحة "لا تؤجل عمل اليوم للغد".
في تاريخنا المتكاسل كانت بالعادة أسعار برميل النفط المرتفعة، تغطي عورات "التسويف" بالدولة، فالوزراء أو المسؤولون الكبار الذين يديرون الدولة يعرفون ويدركون قضايا الإصلاح وماذا يتطلب، ولكن كانت عوائد النفط المجزية تؤخر وتسوف في الحلول المطلوبة، كان ذلك السعر المرتفع للنفط بمثابة إبر مورفين شل العقل السياسي - الاقتصادي لأصحاب القرار، واستطال شلل "التسويف" واللامبالاة للقاعدة الشعبية، أي للناس الذين هم على نهج إدارتهم السياسية، فظلت تنمو الأمراض الإدارية وتمتد لكل إدارات الدولة ولا تستثني أحداً، فالعبارة التي تحبطك حين تريد إنجاز معاملة رسمية ما بجواب "تعال غداً المدير غائب، أو جهاز الكمبيوتر عطلان..." هي صورة بشعة ومصغرة لوعد حكومي بتنويع مصادر الدخل، أو محاربة الفساد المالي والإداري، وإلى آخر الكلام الممل عن وعود الإصلاح وضروراته.مضى عامان تقريباً، على انهيار أسعار النفط، ونطالع كل يوم بالإعلام الأجنبي والداخلي عشرات المقالات والدراسات عن كرة الثلج التي تكبر يوماً بعد يوم، والإدارة الحكومية على "حطة إيدكم"، هي تعلم وتدرك مدى الضرر الذي سيصيب الدولة في كل لحظة تمر دون إقرار حلول سريعة، لكن أعذار "التسويف" موجودة دائماً تحت بند "لمزيد من الدراسات أو نقاش توصيات مجلس الأمة"، وهكذا يمضي الوقت سريعاً، والحكومة هي الحكومة والسلطة هي السلطة، مشغولة بمشاريع تطوير القضاء أي "تطويقه"، أو متابعة أسود البلدية بقطع التيار الكهربائي عن بنايات العزاب الأجانب، أما نواب "مجلس توصياتها" فهو أيضاً مهموم بالجامعة المختلطة وممرضات مسلمات لمستشفيات الدولة ولا مساس بجيب المواطن... أين نمضي؟ وأين سننتهي مع إدارة التسويف، وإرجاء الحلول والمصيبة الاقتصادية الآن على الأبواب... الله العالم؟!