لنصنع الحياة
"نضع الميت في تابوت من خشب لنوهم الأرض بأننا جئنا لزراعة شجرة" كاظم خنجر
الظاهرة الكتابية الجديدة في النص الأدبي الذي تتسع اتجاهاته في العراق بشكل خاص، بعد أعوام طويلة من الحروب والدماء التي لا يرى نهاية لها حتى اليوم، هي ظاهرة متوقعة، ونتيجة طبيعية لكل هذا الافتتان بالقتل. وربما ستنتقل هذه الظاهرة إلى بلدان عربية أخرى مثل سورية وليبيا ليخرج لنا نص يقطر دما لا حبرا، وينزف موتا لا عشقا. ولكن تلك ليست مهمة النص فقط . ليس الارتكاز الكامل على هذا الموت والخروج نصاً من الحياة. قبل فترة غير طويلة كتبت عن الشاعر العراقي قاسم سعودي وتجربة مؤملة عمّا تركته الحرب لأبنائها التي خلفتهم وراءها حين رحل رجالاتها بالأدوات ذاتها التي اخترعوها للقتل. وما تنجبه الحروب لم يكن غريباً على الثقافة العربية منذ "هي الحرب ما قد علمتم وذقتم"، ولكنها الآن تتخذ شكلاً عبثياً كأنها تدخل الحالة الأكثر بشاعة وهمجية.تجربة الشاعر كاظم خنجر "نزهة بحزام ناسف" هي نزهة بحزام ناسف فعلاً، وهي نزهة من الرعب والأشلاء والدم والمقابر التي تفتح في أذهاننا قصصاً نريد لها أن تندمل، وجراحاً نحاول أن تهدأ ليوقظها الشاعر في خيالنا. لا تخلو صور هذا العمل صغير الحجم ثقيل الألم من ذاكرة اقتسمها العرب كانت نواتها هذه الحروب التي عاشتها وكأنها قدر يومي، فالشظايا التي يحتفظ بها الأب هي ذات الشظايا التي يحتفظ بها الطبيب، وهي ذات الشظايا التي تغتال ذكريات الأطفال ومن يحق له أن يطالبنا "بألا نلعب بشظايا الذكريات". الأكثر ألما في ديوان كاظم خنجر هو هذا الإصرار على تشكيل الموت وأدواته، هذا الموت هو نتيجة حتمية لمن تكون الحرب مهنته، وتلك الأدوات الوحيدة التي يحملها هي الأدوات الوحيدة التي يملكها. وإن جاء ذلك تعسفاً أحياناً رغبة من الشاعر بتوحيد موضوعه الشعري، وكان عليه أيضاً أن يتحاشى الإيغال في التكرار الذي يبدد لحظات الدهشة، وما أكثرها في العمل. وما لم ينتبه له الشاعر في كثير من الأحيان هو المباشرة في الخطاب، وهو إفساد لكثير من جماليات النص حتى إن جاءت في نص شعري حديث. الأعمال الشعرية التي تتخذ من الموت موضوعاً كاملاً بحاجة إلى إعادة نظر، لأنها تجسد في هذا الموت اليأس، وتقتل التفاؤل القادم الذي نحلم به ونريده، فحالة الإحباط التي تتكرس في العمل وفي الذهنية القارئة للعمل تجعل النص يبدو مغلقاً على أدواته يتحرك في حدود ضيقة من القاموس اللغوي والشعري، فحتى ألعاب أطفال المستقبل هي أسلحة للفناء لا أدوات للبناء. تلك ليست قراءة خاصة في عمل كاظم خنجر، إنما في الوجهة التي تسير إليها القصيدة المنتجة تحت وطأة القتل والدمار. ولكي نكتب هو أن نخرج من معسكر القتلة إلى معسكر الحياة، ونكتفي ربما بقصيدة نشتمهم فيها عن بعد.