فجر يوم جديد: «حرية القرصنة»!
«مصر تنعم بحرية صحافة... حرية ملاحة... وحرية قرصنة!»... قالها صديقي السينمائي مازحاً لكنني أخذت مزحته بعين الاعتبار والجدية، خصوصاً في الجزء الخاص بـ «حرية القرصنة». في حين تهرع الدول إلى سن القوانين، وتشريع العقوبات التي تحمي الإبداع، وتصون حقوق الملكية الفكرية، تعاني صناعة السينما المصرية تجاهلاً وإهمالاً يصلان إلى حد المؤامرة متكاملة الأركان، فالفيلم يتعرض للسرقة «في وضح الظلام»، وعلى مسمع ومرأى من بعض العاملين في صالات العرض التجارية، ورغم هذا لا تحرك السلطات والأجهزة المعنية ساكناً، ولا نكاد نسمع أو نقرأ عن دعوى قضائية واحدة تم تحريكها في مواجهة «القراصنة» الذين تحولوا إلى «مافيا» بلغت سطوتها وعجرفتها حد ابتزاز الموزعين والمنتجين ومطالبتهم، على غرار ما يحدث من عصابات خطف رجال الأعمال، بدفع «فدية» أو «إتاوة» نظير تأجيل رفع وتسريب الفيلم الذي تمت قرصنته عبر «اليوتيوب» و»اللينكات» التي يتم الإعلان عنها بوقاحة وصفاقة من خلال بعض المواقع الشخصية المشبوهة!الصمت الحكومي، والتجاهل المريب للظاهرة، بالإضافة إلى غياب القانون الرادع، كانت الأسباب الرئيسة في تفاقم الوضع وتسريع «إيقاع القرصنة»، فقد جرت العادة أن يتم السطو على الفيلم بعد أسبوع أو عشرة أيام من طرحه في الصالات، كما حدث مع: «صنع في مصر»، «المصلحة»، «على جثتي» و»تك تك بوم»... وغيرها، لكن شهدت الآونة الأخيرة نشاطاً ملحوظاً للقراصنة نتج منه تسريب النسخة عبر «اليوتيوب» بعد ساعات على أكثر تقدير، كما حدث مع «هيبتا.. المحاضرة الأخيرة» و»حسن وبقلظ»!
هل تعمل الدولة فعلاً ضد صناعة السينما؟ أذكر، وأبناء جيلي، أن حملة شرسة قادتها الدولة، إبان حكم مبارك، نكلت فيها واعتدت على الباعة الجائلين، الذين كانوا يفترشون أرصفة الشوارع الرئيسة في وسط العاصمة وأماكن متفرقة، وأسفرت عن مصادرة كثير من الأقراص المدمجة التي تحوي أفلاماً أميركية تعرضت للقرصنة، وقيل وقتها إن تهديداً بحسم جزء من المعونة الاقتصادية التي تمنحها أميركا لمصر من قبيل تعويض أصحاب الأفلام الأميركية التي تعرضت لقرصنة في مصر كان سبباً في التحرك السريع للدولة، التي ضربت بيد من حديد على القراصنة، وهو ما لم تفعله في مواجهة القرصنة التي يتعرض لها الفيلم المصري، والانتهاكات التي تطوله يوماً بعد الآخر!هذا يعني، ببساطة، أن الدولة قادرة إذا أرادت، ولتكن البداية بتغيير القانون، الذي يؤكد الفقهاء، وخبراء الملكية الفكرية، أنه يعاقب «من يرتكب جريمة القرصنة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو تغريمه مبلغاً يُقدر بخمسين جنيهاً مصرياً»، وفي أغلب الأحوال يكتفي القاضي بالغرامة، ما يشجع على تفاقم جرائم القرصنة، وانتهاك حُرمة الأفلام، ويُسهم في تدمير الصناعة، التي تُدر على الدولة دخلاً كبيراً، ما دفع أصحاب «نظرية المؤامرة» إلى القول إن تخريب صناعة السينما خطوة في سبيل تدمير اقتصاد الدولة نفسها. فمع فداحة الخسائر المالية التي يتكبدها المنتجون، وتخاذل الدولة، وأجهزتها، عن دعمهم بالقوانين التي تحمي أفلامهم، لن يكون أمامهم سوى الانسحاب من الساحة الإنتاجية، بعد إغلاق أبواب شركاتهم، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة، وآثار سلبية، وسيضرب الدولة في مقتل، وهو ما فطنت إليه الدولة، في ما يبدو، فكان قرار رئيس الوزراء الحالي بتشكيل لجنة لبحث أزمات صناعة السينما يتولى وزير الثقافة مقررها، غير أن اللجنة لم تجتمع، ويبدو أنها ستلحق بغيرها من اللجان!في المقابل، لا يمكن أن تقف غرفة صناعة السينما مكتوفة الأيدي حيال الأزمة، وتكتفي بالفكرة الساذجة التي طرحها رئيسها السابق، وكلف من خلالها النجمة ليلى علوي بالسفر إلى باريس للتفاوض مع شركة «يوتلسات» المسؤولة عن بث الأقمار الصناعية لوقف القرصنة التي تتعرض لها الأفلام المصرية في حين تم وأد فكرة «اللجان الإلكترونية» التابعة لوزارة الداخلية، ولم يطرأ تغيير يُذكر على القضية رقم 288 / 7ق، التي رفعتها الغرفة، حسب رئيسها الحالي فاروق صبري، واختصمت فيها رئيس الوزراء السابق، وشركة النايل سات والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والتي تُطالب فيها بوضع حد لقرصنة الأفلام، لكن المحكمة الاقتصادية أحالتها بعد عام بأكمله إلى محكمة الأمور المستعجلة، التي قيل إنها ستنظرها من جديد في غضون هذا الشهر. وإلى ذلك الحين، ماذا لو تبنت الغرفة فكرة تأسيس كيان على غرار مكتب «إكسيبيو» لتتبع القرصنة عبر الإنترنت يتولى تحديد القنوات والمواقع الإلكترونية التي تسطو على الأفلام قبل عرضها في الصالات، وإعداد لائحة بالأفلام التي تمت قرصنتها؟ وحبذا لو حدد لنا المعايير التي تشجع «القراصنة» على اختراق «حسن وبقلظ» وتجاهل «أسد سيناء» و«فص ملح وداخ»!