د. نور سلمان... «ولكن» قصائد تبكي الحب والوطن
في كتابها الصادر حديثاً {ولكن}، اختصرت الدكتورة نور سلمان الماضي والحاضر، قبل أن يخطف الزمن الأيام ويرميها في مستقبل مجهول لا مكان فيه للحلم ولا حتى للأماني. من الواقع المتدثر برداء لطخته الذاتية والممارسات العدائية تجاه الناس والأرض والوطن من أبناء الوطن بالذات، غمست نور سلمان قلمها وسطرت على الورق الأبيض غضبها على من باعوا الوطن بحفنة من المصالح الخاصة، وتركوه فريسة الضياع يبحث عن موطئ قدم في مكان ما، بعدما ملّ الكذب والرياء وتشويه وجهه الناصع بنفايات النفوس الصغيرة التي هي أشد خطراً من النفايات العادية.
{وَلكن}، مجبول بالآلام، قصائده ترويها دموع منهمرة على الكلمة وعلى الإبداع الذي أضحى يشرى ويباع، على الشعراء الذين جفت أقلامهم بعدما صودرت أحلامهم، على الحب الذي هجّر قسراً وترك وراءه جفافاً وأرضاً قاحلة لا نبض حياة فيها...
{وَلكن}، مجبول بالآلام، قصائده ترويها دموع منهمرة على الكلمة وعلى الإبداع الذي أضحى يشرى ويباع، على الشعراء الذين جفت أقلامهم بعدما صودرت أحلامهم، على الحب الذي هجّر قسراً وترك وراءه جفافاً وأرضاً قاحلة لا نبض حياة فيها...
في قسمين في الكتاب {لبنان... يا لبنان وطن من أنت؟} و{القبل}، تسجل الدكتورة نور سلمان رفضها وتمردها وحسرتها على هذا الوطن الجميل الذي جرحته أيادي بعض أبنائه، وبات مبدعوه يسترضون إشعاع نجوم من سماء الماضي حتى لا يغرب الحاضر، وتتساءل: {أنت من أنت لتصدّ أمانيّ المجلوة فلا أكون عروس بشرى في فردوس الوطن؟}.تكتب د. نور سلمان لتحرر صبرها الجبان الزاحف حول أرض المزابل الخضراء، فيما كُتُب الصدق مشلّعة فوق عري الدماء، {وشهداء أرضنا يتقاسمون الغربة وربيعنا شتاء ذليل وشتاؤنا الباكي غارق في بحور الفساد وخريفنا تتساقط أثوابه فوق قمم الزبالة وصيفنا فريسة الحرارة الشرسة}...{إلى أين؟} يصرخ حزنها فوق هذه الأرض الطيبة، التي لم يبق فيها سوى الأحلام، فتحميها حتى لا تضيع في دنيا هؤلاء الفاسدين، ويتحوّل الهمس الدامع إلى صراخ...
مرارة الأوجاعالوطن الذي عشقته د. نور سلمان وكتبت له أجمل القصائد، صودرت خيراته وباتت دماء الشهداء في غياب، والأرض مخنوقة... من عمق إيمانها بهذه الأرض، رغم المحن والمآسي التي تتوالى عليها، تنهر قاطفي مواسمنا بأن بقاءهم ليس بقاء وعيشهم ليس عيشاً، وترفع الصوت في وجه الأقدار الشرسة التي تجعل الحياة فوق تراب هذا الوطن لا تشبه الحياة بعدما جفت سماؤه وصغرت فيه الرحاب، وتتساءل: {أأحيا في وطن أباح التزوير؟ أأنت وطني اخترت أن تغشني بالعناوين المائلة: التوافق التعايش المشاركة الحرية الاستقلال المنيع... ليس لي منك إلا الهواجس وأيام يطاردها الوجع}.كل ما في هذا الوطن أضحى خراباً، وبمرارة العارف الخفايا رغم الأقنعة التي تختبئ وراءها أحياناً، تبكي د. نور سلمان وطنها بعدما أصبح لعبة شطرنج يتقاسها من أرادوا لهذا الشعب الضلال والخديعة وخنق الحرية، هؤلاء للأسف هم أسياد الزمن اليوم يأكلون من خبز التزوير، ويفصلون الديمقراطية على قياس الحكام، فلا تنصف ولا تصون كرامة شعبها وسلامة أبنائها... كل هذه الخيبات ألقتها د. نور سلمان على قارعة الطريق، بعدما انغلقت دواوين الحب واختنقت الكلمات، واستبيحت الحرمات وباتت الآمال مجرد فتات مرمية... الأحلام، أين هي؟ سؤال لا يجد جواباً يفسر هذا الغياب، لذا تضمّ الشاعرة بعضها إلى بعض وتبكي في صلاتها كتب العالم التي لم تعد كنوز الدنيا تحميها، راجية الحب أن يعيد إلى التراب طريق الصعود {لتبقى أنت كما أنت تاج الدنيا كلها وتبقى أنت للدنيا كلها}.سمو وتصوّفقصائد ديوان «ولكن» رصفتها الشاعرة صوراً شعرية من عمق الجراح وسمت بها بعيداً في رحاب التصوّف، فالبعد عندها أشواق منكّسة والقرب جحيم رتابة وانغلاق، ورحلتها نحو الأبعاد أطفأت أنوارها ليراها الله عزلاء كالطفل الوليد، «جمالي يبكي، جسدي يعاتبني، وربي العلي يشعل عروقي بالشوق، أي شوق؟».الحب ثم الحب ثم الحب، به وحده تجعل د. نور سلمان الانتظار جنة تقرب السماء من الأرض، عاشقة شقيّة هي ساجدة في كرم الحب، صامتة، يبهرها الوعد بالمستحيل، فهو أكثر سخاء من الممكن الزاحف في المحدود الضيّق. لكن الدواوين لم تعد تكفي هذا الحب الذي له في الأرض منارات شاحبة من بصيص نوره وأسرار لقاء وسحر اتحاد في خضمّ الوهم والحقيقة، فتفيء الشاعرة إلى الصلاة التي تشكل فسحة ضوء تنتشي فيها بسكرات الحب الدافئ، بعدما توقفت سطورها عن أن تسرح على الورق الجامد أمامها ولم يعد مائدة تشبع عطشاً وجوعاً في محطات الانتظار والانفصال ولا يغني نشوة حبّها. «من يكتب؟ من يقرأ؟» سؤال يرتسم عالياً بين حنايا ديوانها، بعدما بتنا في زمن تاه فيه الإبداع في المتاجر، من قلة الحب، كأنه رهينة مكاسبها، واغتصبت حرمته وأباحت أسراره في دواوين العرض ودواوين الطلب، وشحّت الأساطير...في خضم كل هذا الواقع المشحون بالانفعالات المتناقضة ترجو نور سلمان الرب أن يسمح لها بأن تنام على صدر أحلامها، هي المشعة بالهيام وطريحة حيرة تصعّب طريق حبها إليه. بين البعد والقرب سرّ محرق كالشوق، وحول عينيها الدامعتين شغف إلى رحلات صعود حيث الحب أعجوبة تشرق في أرحام الدنيا، فهو كأمسه، كيومه، كغده رحمة...