بدأ تصدير النفط من منطقتنا قبل سبعين عاما، في البداية كان إيراده شحيحا، لكن بعد سنوات أصبحت الدول المنتجة عندنا من أغنى دول العالم، لكن للأسف لم نفهم من الغنى إلا مظاهره وأسلوبه العشائري في ثراء الحكام، ومن الأهم ظهور علامات الثراء في أبشع صورها أمام العالم. سبعون عاما طبعت في أذهان العالم صورة العربي الهمجي الذي لا يعرف كيف يتصرف في ثروته، ورسمنا نبطا زرع في أذهان العالم أننا لا نعرف كيف ندير هذه الثروات، وأن جلّ همنا هو بناء القصور وامتلاك الجواهر والجواري وشراء الذمم في كل مكان.أكثر من سبعين عاما لم تر المنطقة مشروع نهضة حقيقية وخطة تنمية مستقبلية تستفيد من خيرات النفط لعصر ما بعد النفظ، وتنقلنا من عصر البداوة إلى عصر الأمم المتحضرة.
الأمم التي تشتري نفطنا تحنق وهي ترى الأموال التي تدفعها تشربها رمال الصحراء، ولا ترى مشروعا واحدا تحس بالفخر أنها ساهمت في صنعه معنا.أكثر من سبعين عاما لم نر إلا طرقا وعمارات شاهقة وقصورا باهظة التكاليف وبعض الصناعات المعتمدة على النفط تموت بموته، معظم دولنا تشرب الماء من ماء البحر المقطر، وتعتمد على طاقة يوفرها النفط، وسنموت من العطش والحر عندما يموت النفط.لا أحد يهمه مستقبل الناس، فالكبار ضمنوا مساكن وحياة أخرى في أي بقعة في العالم يختارونها، أما بقية الناس فلا أحد يفكر في مصيرهم، ولا أحد أعدّ لهم بلدا يمكن أن يعتمد على ذاته وناسه لو انتهى النفط.ومن المؤسف أن تكون صورتنا لدى العالم مجرد حكام أغنياء لا همّ لهم سوى زيادة ثرواتهم وضمان مستقبلهم، حتى تجار المنطقة الذين صنعوا السفن وجابوا البحار وخلقوا من المنطقة مركزا تجاريا متقدما قبل إنتاج النفط، وقاموا بمبادرات متقدمة في بداية عصر النفط، لم يستمر أبناؤهم على منوالهم، واستسلموا للكسب السريع، فلم يُنشئوا مصنعا، ولم يخلقوا عملا يفخرون به وتفخر به بلادهم، وتترك انطباعا إيجابيا لدى العالم. تجار الأمس كانوا صناع أعمال مفيدة وناجحة، وتجار اليوم يبنون عمارات، ويستخدمون التلفون في إدارة ثرواتهم، ولا يبنون شيئا.ومما زاد الطين بلّة وضاعف من استصغار العالم لنا تلك المحاولات الحثيثة لإفساد العامة، وتحويلهم إلى جيش من الكسالى يتلقى رواتب بدون عمل ويستهلك بدون حساب، وصار منظر سيّاحنا ومرضانا في دول الغير محل استهجان وتندّر ورفض لوجودهم.فحين يتلاعب العالم بنا فذلك ما دفعناهم إليه وحرضناهم عليه. لماذا تكون لدينا كل هذه الثروات ولا مشروع واحدا يحترمونه؟ إنهم الآن يبتزون ويختلقون الأحداث، ويضغطون في كل مناسبة لتبديد مدخرات لا يستفيد منها أهلها. وفي كل مرة تتراكم فيه عوائد النفط يختلقون ما يجعلنا نتراكض عليهم طلبا للحماية والسلاح، أو لإعادة ما هدمه محدثو الفتن والخراب الذين حركهم المبتزون، ونظرة لما حدث خلال السبعين عاما الماضية نرى أنه كلما تراكمت العوائد في مصارفهم أو في استثمارات لديهم أشعلوا فتيل فتنة أو مشكلة، أو أثاروا أحد الطغاة لكي نعيد ضخّ كل ما وفرناه في جيوبهم. العالم يستهزئ بنا، فيرشي الكبار لكي يوجهوا عوائد النفط لشراء ما لا يفيدنا ولا يخدم مستقبلنا، ولمَ لا ما دام كل مشتر له حصة فيما اشترى وبأكلاف تفوق أي دولة أخرى؟! لو حسبنا عائدات النفط لمجلس التعاون وإيران والعراق خلال السبعين عاما الماضية لكفت بناء مستقبل العالم كله، لكننا أضعناه في السلاح، وفي مشروعات عبثية، ففقدنا حريتنا واحترامنا لأنفسنا واحترام العالم لنا.انخفاض الأسعار الحالية قد يدوم حتى تتآكل المدخرات، ثم يتركونها تعود لتعود المدخرات ليستعيدوها مرة أخرى في خطة لئيمة أخرى.لو كانت عوائد النفط مستثمرة في خطط للمستقبل تأخذنا إلى مصاف الدول التي نهضت واكتفت وصارت مساهما رئيسا في تقدم العالم، ولو استثمرنا عوائده في صناعات حديثة ومناسبة وخلق ثروة بشرية منتجة، وفي استحداث منتجات خاصة قد تعتمد في البداية على منتجات النفط، لكنها يمكن أن تضعنا على طريق تنمية مستدامة، أو قد نخلق من الخدمات ما يجعل بلدنا في مصاف سنغافورة وغيرها من الدول الناشئة المتقدمة، لو حدث هذا لاستطعنا أن نكون في مصافّ أرقى الدول. فالشعبان الألماني والياباني اللذان هزما في الحرب العالمية الثانية وخربت مدنهما وصناعاتهما تخريبا كاملا عادا عملاقين بعد سنوات قليلة من الحرب؛ ليصبحا من أقوى الدول في العالم في العلوم والاقتصاد والثقافة ومستويات النمو والتطور، فهل نحن شعب أقل قدرة من أي شعب آخر؟بالطبع لا. نستطيع لو فكرنا بعقولنا لا ببطوننا.
مقالات
هل نحن بطيئو الفهم؟
24-05-2016