ترانيم أعرابي: بين صفحات الكتب (3)
كتاب "البصير والتنوير" يحكي سيرة حياة الأديب الكويتي عبدالرزاق البصير، كتبه الأديب طالب الرفاعي، وهو أحد تلامذة البصير، ولد أديبنا في عام 1919م وأصابه مرض الجدري عندما أتم عامه الرابع، فأورثه العمى وصار أعمى العينين، لكنه في المقابل فتح بصيرته على أوجها، وكما قيل عندما تجد مبدعاً ابحث عن الدافع والعقدة، ولعل إصابه أديبنا عبدالرزاق البصير بالعمى في بداية حياته سبب رئيس في طموحه وإصراره. بدأ تعليمه كحال كل أهل الكويت في زمانه في الكتاتيب وانتقل بعد ذلك لمرحلة أخرى في حياته بعد إتقانه القراءة والكتابة ودرس البلاغة والأدب وعلم البيان، وحفظ الكثير من الشعر، الأمر الذي ساقه لقراءة كتاب "الأيام" لطه حسين، حيث وجد فيه نفسه مرتين، إذ كان كاتب الكتاب ضريراً وأديبا، الأمر الذي دفع عبدالرزاق البصير للبحث عن ذاته ونشر أول مقالة له في عام 1941م في مجلة البحرين، وعندها لقبه الأديب البحريني عبدالرحيم زوربه بالبصير، وكان البصير قوميا عربياً بحكم الجيل الذي عاشه، وقد ظل مخلصاً لعروبته مدى حياته.تنقل البصير في مراتب عديدة ومناصب متنوعة خلال حياته، فقد تولى أمين مكتبة دائرة المطبوعات عام 1956م وانتخب عضواً في رابطة الأدباء الكويتيين منذ عام 1967م حتى 1980م، كما أنه قد عمل مستشاراً في لجنة التراث العربي والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وله ستة مؤلفات هي: تأملات في الأدب والحياة، في رياض الفكر، شعراء مجهولون معروفون، الخليج العربي والحضارة المعاصرة، نظرات في الأدب والنقد، الجريمة الكبرى وأمانة القلم.
مما راق لي في الكتاب من كلمات عبدالرزاق البصير:"ولست أشك أن هذا المقلد وأمثاله يعبرون لأنفسهم فقط ولا يعبرون عن أنفسهم، لأن التعبير عن النفس لا يكون إلا عن فهم وإحساس، بحيث يستطيع الكاتب التصدي لرد النقاد، وتكون عنده القدرة على توضيح ما ينشر له، وليس التقليد مقصورا على المعبرين- أي من يكتبون- وإنما يوجد في المتذوقين، إذ نعلم أن هناك أناساً يقرؤون دون وعي أو إداراك".وفي رثائه للشيخ يوسف بن عيسى القناعي يقول "كان الشيخ يوسف بن عيسى علماً من أعلام الإسلام في الكويت اتخذ مسيرة نادرة في هذه الحياة، لم يستغل المناصب الرفيعة التي تقلدها لمصلحته الخاصة، إنما أنفق كل طاقته للمصلحة العامة، أما مصدر رزقه فكان تجارته، ومن توفيق الله له أنه استطاع أن يوفق بين التجارة ورسالته التي كان يسعى لتحقيقها". "لقد أدرك أعداؤنا أنهم لن يتمكنوا من أن ينالوا مآربهم منا إلا بتعميق التجزئة، كما أدرك المفكرون منا أننا لا يمكننا أن نصل إلى ما نصبو إليه من القوة والمنعة، وأننا لا نستطيع أن نحتل مكانتنا اللائقة بنا بين الأمم إلا بالوحدة العربية"."إن إشاعة أدب التفاؤل من خير ما يقدمه الأديب أو المفكر لأمته بصورة خاصة وللبشرية بصورة عامة... لقد أدركت الأمم الحية أن في إشاعة الجمال فؤائد جليلة لا تحصى... وما التشاؤم إلا التشكيك في الحياة".أصابت البصير صدمة في مبادئه بعد الغزو العراقي للكويت، إذ إنه لم يكن في يوم من الأيام يتوقع مثل هذا الفعل، فقد كان من الداعين للوحدة العربية المؤمنين بها، لدرجة أنه كان من المحاربين للخلافة العثمانية لأن قوميته العربية كانت طاغية على كل شيء، لم يغادر الكويت فترة الغزو وكانت له كلمات شهيرة تدل على الحيرة التي وقع بها "جاء العدوان العراقي على الكويت لهدم كل الجهود العربية التي نادت بالوحدة، وكنا قد آمنا بأن العرب وقادتهم من الممكن أن يتوصلوا لاتفاق بشأن الوحدة".كان له موقف واضح بشأن تسمية الخليج بالعربي، وكان له مؤلفٌ دحض فيه تسمية الخليج بالفارسي عبر العصور والأزمان التي مرت على الخليج منذ قطري بن الفجاءة وابن المقرب وصولاً لأيامه التي كان يعيشها، وكانت وفاة الأديب عبدالرزاق الناصر المعروف بالبصير في عام 1994م، توفي وهو محبٌ للكويت حريصٌ على تراثها عاشق لأرضها.شوارد:"إن الأديب لا يمكنه إلا أن يميل للجمال"عبدالرزاق البصير