(280)
هذا الكم الكبير من الثقافة المنثورة في المجتمع، وهذا التنوع الجميل المستقطب لتقديم أعماله في الكويت دليل على أمرين: الأول هو تعطش الناس لمثل هذه الأعمال، والثاني هو إيمان القائمين على الأنشطة الثقافية بالكويت بالمعنى الحقيقي للإصلاح الاجتماعي القائم على التنوع والانفتاح.
ما زلت أردد بأن أزمتنا في الكويت ليست سياسية، وتراجعنا غير مرتبط بسوء الوضع السياسي، بل هو نتيجة تردٍّ ثقافي ممنهج رسمته الدولة وحلفاؤها من تيارات الظلام على مدى عقود من الزمن، تمكنت من طمس الهوية الكويتية الحقيقية المبنية على الانفتاح والتنوع، وما ينتجه هذا الانفتاح والتنوع من إبداع في شتى المجالات، وما يتبعه لزاما من تقدم وتطور وحضارة كانت تسير وفق تطورها الطبيعي قبل التحالف سيئ الذكر مع قوى الظلام.ولن تعود الكويت إلى سكة التطور والارتقاء، أكرر لن تعود بصوت أو أربعة، بحكومة منتخبة أو معينة، بدائرة أو خمسين في ظل هذا الوضع القائم، فأزمتنا أزمة أخلاقيات لا أزمة تنظيم، فما الذي سيتغير إن ركزنا على الإصلاح السياسي دون استيعاب مجتمعي للصواب والخطأ بمفهومهما السليم، فالواسطة خطأ والتعدي على المال العام بحجة العلاج بالخارج أو بناء سكني مخالف، أو إسقاط مخالفة مرورية، أو أخذ عذر طبي للتغيب دون مرض، أو غياب عن العمل في الأسبوع الذي تتزامن العطلة الرسمية في أحد أيام العمل فيه، أو تغاض عن قريب سارق، أو اختيار النواب وفق روابط الدم والانتماء الديني خطأ. أزمتنا أزمة ثقافة عامة، وحلها يكون بالتوعية والثقافة، وهو ما أرى له بصيصاً من الأمل بوجود شخص كعلي اليوحة الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأنا أعلم يقينا أن وجود هذا الرجل على رأس عمله لم يأت من خطة حكومية موضوعة للقيام بالمجلس، بل جاء محض المصادفة شأنه شأن غيره من رجال الدولة ممن يتبوءون المناصب بالمصادفة فيتمكنون من النهوض بقطاعاتهم ومؤسساتهم.
فقد نشرت إحدى الصحف قبل أسابيع قليلة أن الكويت احتضنت 280 نشاطاً ثقافياً منذ بداية العام بمعدل ثلاثة أنشطة يوميا شاملة للعطل وأيام الراحة الأسبوعية، وهو معدل عالٍ عالميا إن لم يكن الأعلى على الإطلاق، علما أن هذا العدد من الأنشطة لا يشمل المهرجانات الثقافية المعتادة التي تقيمها الكويت، بل هي أنشطة ثقافية مستقلة.هذا الكم الكبير من الثقافة المنثورة في المجتمع، وهذا التنوع الجميل المستقطب لتقديم أعماله في الكويت دليل على أمرين: الأول هو تعطش الناس لمثل هذه الأعمال، بدليل كثافتها والتي لم تكن لتتحقق لولا إقبال وشغف الناس بها، والثاني هو إيمان القائمين على الأنشطة الثقافية بالكويت بالمعنى الحقيقي للإصلاح الاجتماعي القائم على التنوع والانفتاح، وأنا هنا لا أتحدث عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب فحسب، بل هناك جهات أخرى تقدم الإبداع كدار الآثار الإسلامية، و»لوياك» و»نقاط» والعديد من المراكز الأخرى التي لم أتشرف بالتعرف عليها إلى الآن كمنصة الإبداع الحديث و»المكان».لا يسعني في هذا المقال سوى القول إن هؤلاء ومن معهم هم النواة الحقيقية لإعادة إعمار المجتمع وطمس الهوية الظلامية السائدة، فبوركتم وبوركت خطاكم.