الوضع العام ومسؤولية المواطن
تحميل المواطن العادي أسباب المشاكل العامة وتردي الوضع العام أمر غير صحيح، فمسؤوليته عن القضايا والمشاكل العامة لا تتعدى السُلطة التي لديه، وهي محدودة للغاية وأحياناً معدومة، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الشأن العام.
يحاول البعض، إما عن عمد أو عن جهل، تحميل المواطن العادي أسباب المشاكل العامة وتردي الوضع العام، فتخلف المجتمع، في نظرهم، سببه الرئيسي هو المواطن، والتراجع الديمقراطي ووجود مجالس شكلية يعود، كما يرددون، إلى "تخلف"! المواطن "الذي لم يُحسن عملية الاختيار". ليس ذلك فحسب، بل إن البعض يذهبون بعيداً فيعزون أسباب تردي التعليم والصحة والخدمات العامة، وارتفاع معدل البطالة، ووجود عجز مالي في الميزانية العامة للدولة إلى المواطن العادي. المشكلة هنا أن هؤلاء يتجاهلون أن الإنسان لا يولد واعياً، فالوعي مُكتسب والبيئة المحيطة لها دور كبير في تنمية الوعي العام أو تخلّفه، كما أنهم يخلون مسؤولية الحكومة عن إيجاد بيئة عامة صحيّة، وذلك عن طريق إصلاح الوضع العام، ووضع النظم والقوانين والقواعد العامة، وإقرار الخطط والسياسات والبرامج التعليمية والثقافية والإعلامية التي تُنمي الوعي العام، وتوجّه السلوك والتصرفات العامة، وإلا فقدت، أي الحكومة، مُبرّر وجودها. إنهم يقفزون على حقيقة أن المسؤولية على قدر السلطة، فمسؤولية المواطنين عن القضايا والمشاكل العامة لا تتعدى السُلطة التي لديهم وهي محدودة للغاية وأحياناً معدومة، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الشأن العام.
لنأخذ، على سبيل المثال، الانتخابات العامة التي يتم إجراؤها في ظل معطيات معينة تحدّ من حرية الاختيار، فالنظام الانتخابي مُتخلّف ومُشوّه سواء بالنسبة إلى توزيع الدوائر الانتخابية أو طريقة الاختيار، حيث فصّلته الحكومة منفردة كي تأتي مخرجاته على حسب مقاسها، وهو ما يتعارض مع أبجديات الديمقراطية، كما أن الانتخابات تُجرى في ظل فوضى سياسية ونشاط سياسي فردي الطابع يعتمد على العلاقات العائلية والشخصية، إذ لا إشهار للعمل السياسي الوطني، بحيث يمكن تنظيمه على أسس وبرامج وطنية عامة تُطرح من خلالها القضايا التي تهم الناس كافة وتعالج مشاكلهم العامة، وفي أجواء استقطابات قبلية وطائفية وفئوية حادة تُجرى على أساسها تصفيات أولية تحدّ من فرص نجاح من يرفض دخولها أو من لا يحق له المشاركة فيها، ناهيك عن القدرة المالية لبعض المرشحين التي لا يُنظّم القانون سقفاً لاستخدامها أثناء الحملة الانتخابية، وذلك في ما يتعلق بالدعاية والإعلان، بل إن بعض المرشحين لديهم صحف يومية ومحطات فضائية يستخدمونها في حملاتهم الانتخابية، وهو ما يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين. وإذا ما أضفنا إلى ذلك إمكانية استخدام المال في شراء الأصوات الانتخابية، أو الدعم الحكومي لبعض المرشحين عن طريق "الواسطة" والعلاج بالخارج مثلاً، فأي خيارات ستبقى، بعد ذلك، أمام المواطن الواعي كي يمكن تحميله مسؤولية سوء استخدام حقه في الاختيار؟ السؤال بصيغة أخرى، ما مدى مسؤولية المواطن الواعي، في ظل هذه الظروف الموضوعية، عن نجاح أعضاء في انتخابات مجلس الأمة لا علاقة لهم البتة بالعمل السياسي والعام، رغم أنه من المفترض أنهم ساسة محترفون يتولون مهمتي التشريع والرقابة العامة نيابة عن الأمة بأسرها، مثلما ينص الدستور، في حين هم في واقع الأمر يُمثّلون قبائلهم وطوائفهم وعوائلهم ومصالحهم التجارية والمالية؟