«السماء على نحو وشيك»
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
"السماء على نحو وشيك" روايتان قصيرتان وخمس قصص، للكاتب عزت القمحاوي، عن دار بتانة، هو أحد هذه الكتب المغايرة واللافتة. مجموعة قصصية تجري هادئة لتتسرب تحت جلد الروح، فيجد القارئ نفسه محشوراً في زاوية تأمل مصائر أبطال القمحاوي، وهو في الآن نفسه مجبر على تأمل مصيره الشخصي. في هذه المجموعة، يستخدم القمحاوي ميكروسكوباً إنسانياً، ليسلط الضوء من خلاله على أدق اللحظات الخاصة التي يمرّ بها الإنسان في اقترابه من عمر الخمسين. وهو في رصده لهذه اللحظة، وبأناة ومكر كبيرين يفتح عينَي القارئ على وعي متقدم حيال جسده وحيال فكره. وبذا يتحول القمحاوي من راوٍ لقصصه إلى دليل يأخذ بيد قارئه إلى مصيره.يكتب القمحاوي عن وجع المرض والموت، لينبه إلى ضرورة عيش اللحظة العابرة والاستمتاع بها. وهو في كتابته عن المرض يقدم مائدة من الحدث اليومي الطازج الذي قلما سلم منه أي قارئ. وربما هذا أهم ما يميّز كتابات القمحاوي، لأنه يكتب عن اللحظة الإنسانية الراعفة بحيواتها، وبما يجعل القارئ يعيش تلك اللحظة وكأنها لحظته الخاصة، علماً بأنه يكتب عن علاقة القرية بالمدينة/القاهرة، وكيف أن المدنية والتقنية الحديثة زحفتا على القرية لتغيّرا وجهها، ولم تتركا لها إلا ذكريات بطعم الأمس الطيب.عزت القمحاوي يدرك تماماً الشروط الفنية لجنس الرواية وهو يميّزه عن القصة، لذا فلحظة يعنون كتابه بـ"روايتان قصيرتان وخمس قصص"، فهو إنما يظهر بشكل جلي الفرق الجوهري والمهم بين الحدث الروائي والحدث القصصي، وكيف يمكن أن تكون أحداث "شكر الله سعيك" بمشاهدها الخمس، أقرب لرواية قصيرة منها للقصة، بالنظر لتعدد أصواتها، وحضور البيئة المكانية بشكل آسر، واتساع دلالة الحدث الاجتماعي بموت الأخ، وأخيراً انفتاح أفق الخاتمة على تسلم الابن لقياد الأسرة.منْ يعرف عزت القمحاوي، يكتشف أنه يكتب قصة أو رواية تشبهه تماماً. فالنص يسير بتؤدة وبلغة محسوبة تماماً، وربما هذه ميزة أخرى لافتة في كتابته. فمفردة عزت مفردة تخصه وحده، منتقاة وبسيطة حتى ليكاد القارئ أن يشعر بأن عزت يلم مفرداته من على أي رصيف أو مقهى أو جلسة أو غرفة مستشفى أو فندق.القراءة متعة، ومع الإبداع تصيرُ حياةً بسقف عالٍ.