الفساد وصل إلى العظم
في الأسابيع الماضية ارتفعت وتيرة الحديث عن قضايا الفساد، وطالعتنا الصحف اليومية بعناوين عن هذه القضايا، وتصدرت صفحاتها الأولى.قضايا الفساد لم تعد مقتصرة على الهبشات الكبيرة، مثل سرقة الاستثمارات، وسرقة شركة الناقلات، وسرقة التأمينات، والملايين النقدية التي دفعت رشوة في حسابات 13 نائباً عاد العديد منهم إلى البرلمان، كذلك اتهام عدد من المرشحين بتقديم رشا لشراء الأصوات، وكل هذه القضايا ما زال أبطالها أحراراً طلقاء، لم تصدر بحقهم أحكام، وحتى الأحكام الأخيرة في قضية التأمينات لم تمس السرقات الكبرى التي تسببت في ضياع أموال التأمينات، بسبب سوء الإدارة، ومازالت صحافة الكويت تتحفنا يومياً بقضايا فساد كبيرة وصغيرة.ولم تعد الأوصاف التقليدية لانتشار الفساد واتساعه، كالقول «الشق عود» (الخرق واسع)، إذ لم يعد هناك مكان للاتساع، ولا مكان لخرق جديد، فقد التهم الفساد الشحم واللحم في جسم المجتمع والدولة، ووصل إلى العظم، واستمراره سيؤدي إلى نخر العظم، ليصل جسم المجتمع إلى عدم القدرة على مجرد الوقوف، وسيصبح مشلول الحركة والفكر.
والفساد الصغير، مهما كان حجمه، لا يقل خطورة عن الفساد الكبير، فهو يؤشر إلى فساد الأخلاق، وتآكل القيم، وانحراف السلوك، وشواهد ذلك كثيرة، وما يُكتب في الصحف، هو فقط النذر اليسير والقليل من جبل الفساد.ولننظر إلى بعض الأمثلة:- امرأة تقبض معونة، بادعاء أن زوجها «بدون»، ويُكتشف أنها متزوجة من كويتي.- رجل ينكر أبوته أمام المحكمة، والأبناء يؤكدون أنه والدهم، وينتهي الجانبان بالحبس.السؤال: كيف حصلوا على وثائق إثبات الشخصية (بطاقة مدنية أو جواز أو جنسية)؟ ومن أعطاهم وكيف؟- أخبرني شخص في مركز قيادي بـ«الداخلية»، بأن شخصاً جاء يطلب مساعدته، للحصول على الجنسية، فقال له «عندك ابن عمك من قبيلتك، اذهب إليه»، فكان رده «ذهبت، لكنه طلب 50 ألف دينار».- موظفون يستعينون بفراش أو شخص آخر للتوقيع عنهم بالبصمة، وهم في غياب مستمر.- إنهاء خدمات 40 موظفاً في البلدية، بناءً على توصية «الخدمة المدنية»، والسبب أنهم غير مستكملي مسوغات التعيين، والسؤال: مَن عينهم؟ - مخالفات البلدية «اطز العين»، لكن عيون البلدية مغمضة.- أخيراً، البلدية تتخذ قراراً بدخول مراقبيها للتأكد من مخالفات البناء، وأكثرها تبصره العين من الخارج.- نسبة البناء في الكثير من المناطق تضخمت مما كانت عليه، 4 طوابق إلى عشرة وعشرين على نفس البنية التحتية، وأصبح منظراً عادياً رؤية غابات السيارات تبرك في الشارع، وتجعل المرور فيه صعباً أو مستحيلاً، وهذه المناظر نشاهدها في حولي (بيوت ذوي الدخل المحدود تحولت إلى عمارات على نفس الشارع)، وكذلك السالمية وخيطان والفروانية وجليب الشيوخ، وطبعا في مدينة الكويت، بعد أن وصل التقدم العمراني إلى أبراج تناطح السحاب، 50 دوراً وأكثر على نفس البنية التحتية من شوارع ومجارٍ وبلا مواقف للسيارات.- رئيس المجلس البلدي يقول إن هناك فساداً في البلدية، لكنه أيضاً موجود في كل الوزارات. القبس (23/5/16) ص1.- الجواز الكويتي بـ400 دينار، ورخصة القيادة بـ200 دينار، وفق اعتراف عصابة مكونة من خمسة متهمين. الرشوة تعددت أنواعها... مزرعة تباع بـ 250 ألف دينار، وجاخور كذلك يباع أو يؤجر كاستراحات.وأخيراً، تسريب معلومات عن نواب تصلهم مظاريف تحتوي على عشرين ألف دينار، لتغطية سفرة قصيرة إلى دبي، وبعضهم يتباهى بأنه أعطاها لبيت الزكاة، تطهير ذمة!لكن الطامة الكبرى والآفة الخطيرة، ما يتعرض له التعليم في الكويت، بمؤسساته كافة، من الجامعة وهيئة التعليم التطبيقي، وجميع مراحل التعليم، ثانوي وابتدائي وروضة، وهو موضوع يحتاج إلى أبحاث واستقصاءات ومسوحات، فقط أذكر نبذة عن أخبار التعليم:- إمبراطور الشهادات الوهمية هارب.- وزير التربية والتعليم ينفي تسريب الامتحانات، ويؤكد أن الغش الإلكتروني منتشر ومتنامٍ... ما الفرق؟- الدروس الخصوصية التي اتسع انتشارها، الساعة بـ 15 ديناراً، وبعض المعلومات تقول إن مدرس المادة للصف هو الذي يعطي طلابه الدروس الخصوصية، وهذه مجرد عينات، والمخفي أعظم.قضية التعليم هي قضية مستقبل البلد، وقضية صناعة الجيل القادم، 400 ألف طالب في مؤسسات التعليم ينتظرون أن يقودوا بلدهم، فإذا كان هذا مستوى الإعداد، فأي مستقبل ينتظرنا، أو بالأحرى ينتظرهم؟ والله أعلم.