يبدو أن المفاوضات التي تتبناها "اللجنة الوزارية المحايدة" بشأن القطاع النفطي تسير عكس القواعد، ويمكن لمختلف أطراف النزاع أن تحقق فيها المكاسب المتوقعة مقابل الإضرار بالقطاع النفطي نفسه ومهنيته.

فمنطلقات الحكومة في التعاطي مع إضراب النفط، الذي استمر 3 أيام الشهر الماضي، تنطلق من سياسة "كسر العظم" أكثر من كونها سياسة مالية أو اقتصادية تستهدف تحقيق قدر معين من الترشيد للميزانية العامة للدولة.

Ad

فبعد أن أدى الإضراب إلى هبوط لافت في العمليات تراوح بين 50 و60 في المئة من إجمالي الإنتاج، و50 في المئة من قدرة تكرير المصافي، فضلاً عن إغلاق مصنع الأسمدة لتفادي أي عجز محتمل في تمويل احتياجات الطاقة الكهربائية، عادت الحكومة لتوافق على مطلبين من مطالب الإضراب؛ الزيادة السنوية والرعاية الصحية، إضافة إلى وعدها بمناقشة العديد من المطالب الأخرى بدءاً من إعفاء القطاع النفطي من البديل الاستراتيجي نزولاً إلى مناقشة نوع تذكرة السفر سياحية كانت أم درجة أولى!

الرفض والنقاش

ومما يؤشر إلى أن تعاطي السلطة التنفيذية مع الإضراب على قاعدة "كسر العظم" وليس السياسات المالية هو ما ذكره وزير النفط بالوكالة أنس الصالح أمس في بيانه أنه "لن يكون هناك أي نوع من التفاوض أو الحوار في ظل وجود إضراب يشل ويضر بمصالح البلاد"، بمعنى أن المرفوض هنا هو الإضراب بحد ذاته لا المطالبات العمالية مهما كانت كلفتها المالية، وهذا مبدأ خطير يرتكز على إلغاء حق العمال في الإضراب من جهة، ولا يراعي احتياجات التقشف المالية... فأي تعامل مع هذه المطالبات ليس في الكويت فقط بل عالمياً يجب أن يرتكز على نقاش نوعية المطالب ومدى إمكانية الرفض أو القبول، وليس على آلية الاعتراض التي قاموا بها إذا كانت سلمية وقانونية.

كان تجنيب القطاع النفطي من البداية أي ضرر ممكناً، خصوصاً أن ما بين تهديد النقابات بالإضراب وتنفيذه 5 أيام، انشغلت الحكومة فيها بالتركيز على الحلول القانونية والعقابية الخاصة بتجريم الإضرابات أو حل النقابات، رغم أن الحكومة ذاتها سبق أن تفاخرت في المحافل الدولية بتمكينها النقابات، خلال سنوات سابقة، من تنظيم إضرابات عمالية في القطاع النفطي، لذلك كان من الأجدى، بغض النظر عن عقلية "كسر العظم"، التوجه مباشرة إلى "اللجنة الوزارية المحايدة" التي تنظم حالياً المفاوضات أو المناقشات بين النقابات والقيادات النفطية رغم التحفظ على اعتبار القطاع النفطي كياناً خارج الجهاز الحكومي.

تأخير وشرخ

"اللجنة الوزارية المحايدة" أتت اليوم متأخرة بعد الإضراب، وترتب على هذا التأخير شرخ أصاب القطاع النفطي بمختلف الأطراف ذات الصلة، لكن الشرخ الأكبر كان في العلاقة بين عمال النفط وقياداته، وهو أمر كان بالإمكان تلافيه لو أن التدخل الحكومي كان أسرع، أو بالأحرى إذا كان قبل الإضراب، الذي بين سوء إعداد خطط الطوارئ في القطاع النفطي، وحمّل إيرادات الدولة خسائر كبيرة في وقت تتراجع فيه الإيرادات النفطية في أوضاع التصدير الطبيعية، فضلاً عن مخاطر محتملة لتعاملات الكويت مع زبائنها في أسواق النفط العالمية.

إذا كان موقف الحكومة المتردد والبطيء في التعاطي مع أزمة القطاع النفطي متوقعاً، على اعتبار أنها تتعاطى بقدر أكبر من التردد والبطء في قضايا أكثر إلحاحاً وأهمية، فإن موقف مؤسسة البترول يمكن اعتباره بالموقف غير المبرر ولا المفهوم، إذ إنها تخلت عن دورها المفترض كحلقة وصل بين النقابات ومجلس الوزراء للوصول إلى تفاهمات تقلل من الضرر، فصارت هي الطرف الآخر في المواجهة... ما أدى إلى تفاقم الأزمة التي بدأت مع إصدار قرارات تتعلق بمزايا العاملين، رغم الاتفاق على عدم إصدار أي قرارات جديدة، إلى جانب تسريبات خصم أيام الإضراب من رواتب المضربين، وهو أمر سبق إعطاء التعهد الحكومي للنقابات بأنه لن تصدر قرارات عقابية، لا أمنية ولا حتى إدارية حال تم تعليق الإضراب.

نقابات وقيادات

ولعل جزءاً من الأزمة هنا يتعلق بأن العديد من قيادات الإضراب كانوا يعتبرون أطرافاً من قيادات المؤسسة جزءاً من عملية التأزيم في القطاع، وأن أحد الحلول تتركز في إقالتهم، وهذا أمر ما كان ليحدث لو لعبت المؤسسة دور الوسيط أو حلقة الوصل في القطاع، لتلافي تطور الأمور نحو الأسوأ.

على الصعيد النقابي، يبدو أن تلافي مفاجأة تعليق الإضراب دون وضوح الأسباب لا تزال هي الطاغية لدى النقابات لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية وحتى انتخابية، وذلك عبر الحصول على أي مطالب من شأنها تسجيل نقطة لمصلحة المضربين، ولنفي أي شكوك تتعلق بفشل الإضراب في تحقيق أهدافه.

النقاش حول مطالب مفاوضات القطاع النفطي- رغم الإقرار بتأخرها- يجب أن يكون حول الآثار الاقتصادية والمالية وإعطاء عمال وموظفي النفط مطالبهم إذا كانت مستحقة، وإعادة هيكلة سياسات الترشيد في المؤسسة، لتشمل المشاريع ومميزات القياديين وكل المصروفات غير الضرورية، إضافة إلى العمل على رأب الصدع في القطاع بين القياديين والنقابات... فانحراف المفاوضات عن وضع الحلول الدائمة لن يكون في مصلحة القطاع حتى لو حققت أطراف النزاع فيه مكاسبها المؤقتة.