كنت أجهز نفسي للكتابة مناصراً رابطة الأدباء ضد توجهات وزارة الشؤون لحلها فقط لأنها نظمت أمسية شعرية تضامنية بعنوان "حلب تحترق"، اعتبرتها وزارة الشؤون مخالفة جسيمة وخروجا عن قانون جمعيات النفع العام، حتى قرأت تصريح السيد الأمين العام لرابطة الأدباء طلال الرميضي في "الجريدة" يوم الاثنين الماضي الموافق 23 مايو 2016م، وتحديدا الجملة التي يعلن فيها أن رابطة الأدباء: "يسعدها أن تتلقى التوجيه والإشراف من الوزارة"!!هذا الموقف المعلن بقبول الوصاية المباشرة من وزارة الشؤون غيّر مسار القضية من ضرورة مناصرة رابطة الأدباء وبقية مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى وزارة الشؤون إلى ابتلاع ما تبقى من استقلاليتها إلى ضرورة توصيل رسالة علنية إلى مجلس إدارة رابطة الأدباء، مفادها أن الموقف المعلن على لسان زميلنا الأمين العام سيفتح الباب واسعا "عليكم وعلى بقية الجمعيات والروابط" للمزيد من التدخل بحجة "التوجيه والإشراف"، ومن بينها طلب الترخيص المسبق لإقامة أي نشاط حتى لو كان من صلب عمل الجمعية أو الرابطة.
لقد كشفت أخبار وزارة الشؤون مع رابطة الأدباء عن الجهود الوصائية والتحذيرات التي مارستها الوزارة ضد الرابطة حتى اللحظات الأخيرة لثنيها عن إقامة أمسيتها الشعرية، ولكن يحسب للرابطة أنها صمدت وتمسكت بموقفها، وتم النشاط، ثم مع الأسف تراجعت ومسحت الخط الذي رسمته بينها وبين تدخلات وزارة الشؤون في أعمالها بإعلانها قبول التوجيه والإشراف.إن وزارة الشؤون ووزيرة الشؤون الإصلاحية في هذه المرحلة لا تريد من "يناصحها" أو يشرح لها مفهوم المجتمع المدني والفضاء الحر الذي يعمل فيه بين الحكومة والناس؛ لأنها تعرف ذلك وتطمح إلى تغييره، هي تحتاج إلى المواقف الصلبة النابعة من احترام الإرادة الحرة للجمعيات العمومية التي أوجدت مؤسسات المجتمع المدني على أسس وطنية وديمقراطية، وتحت مظلة الدولة التي يأتي دورها في حماية استقلالية تلك المؤسسات لا تحويلها إلى نسخ مكررة متشابهة تتبع الخطاب الرسمي وتلهج بأدعية السمع والطاعة.لقد تعلمت السلطة درسا مؤلما أيام الغزو العراقي، لم تستفد منه لاحقا، عندما اكتشفت أن العالم الحر الديمقراطي لا يأخذ بخطاب الحكومات، ولا يأبه بالجمعيات والاتحادات المعينة من قبلها، ولأن ذلك العالم ينتظر من الكويت أن تظهر بوجهها الديمقراطي الحقيقي كي يبرر للرأي العام أن القتال لأجلها هو لإنقاذ الديمقراطية لا البترول، عقد مؤتمر جدة الشعبي لتأكيد الشرعية وعودة الديمقراطية بحضور ممثلي جمعيات النفع العام المنتخبة التي غطت باستقلاليتها النسبية غياب البرلمان الذي حُلّ بلا رجعة.إن قضية استقلالية مؤسسات المجتمع المدني لا يمكنني أن أفهمها سوى أنها الشرط الوحيد للتواصل مع العالم الحر الديمقراطي، وأحد الأركان الأساسية لأي نظام ديمقراطي، وغير ذلك ليس سوى أكاذيب وأوهام سرعان ما تذوب عند أول مواجهة حقيقية مع عالم ديمقراطي نحن بحاجة إليه لتأكيد حضورنا فيه أكثر مما هو بحاجة لوزن زائد من الهراء الديمقراطي الغارق ببركة التوجيه والإشراف!!!
مقالات
الأغلبية الصامتة: المواجهة لا المناصحة
26-05-2016