ستشمل رحلة أوباما إلى آسيا توقفاً وجيزاً في هيروشيما، حيث سيركّز على ماضيها النووي الحالك، لكن زيارته تأتي في مرحلة يخشى فيها المسؤولون الأميركيون والآسيويون أن المنطقة تدخل مستقبلاً نووياً جديداً خطراً، مما يهدد تعهد أوباما بالحد من انتشار الأسلحة النووية ويطلق على الأرجح سباق تسلح نووي آسيوي.تعمل كوريا الشمالية على توسيع ترسانتها النووية وتطوير صواريخها البالستية، وتزيد الصين أيضاً ما تملكه من أسلحة نووية وتحدّثه، لكن اللافت للنظر أن مخططي وزارة الدفاع الأميركية يعربون عن قلقهم من أن تسعى اليابان وكوريا الجنوبية للمرة الأولى إلى تطوير أسلحة نووية خاصة بهما، ويعود ذلك في جزء منه إلى استنتاج وكالات الاستخبارات الأميركية والكورية الجنوبية أخيراً أن نظام كوريا الشمالية الغريب بات بإمكانه راهناً تزويد صواريخ قاردة على بلوغ اليابان وكوريا الجنوبية برأس نووي صغير.
أضف إلى ذلك دونالد ترامب، الذي شكك أخيراً في أحد الافتراضات الأمنية الأساسية في آسيا: دولة يابانية خالية من الأسلحة النووية. فقد سأل ترامب في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في شهر مارس: "ألا تفضل من ناحية ما أن تطور اليابان أسلحة نووية، بما أن كوريا الشمالية تملك أسلحة مماثلة؟". بعد أن اختبرت اليابان فظائع هيروشيما وناغازاغي، قررت الابتعاد عن الأسلحة النووية منذ الحرب العالمية الثانية، مع أنها تدير برنامج طاقة نووية.إذاً، بعد أن نجحت الصفقة الإيرانية في تفادي ما توقع أوباما أنه سيتحوّل إلى سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط، بدت آسيا فجأة منطقة خطر ذري كبير، فبما أن كوريا الشمالية تبدو محصّنة ضد العقوبات والعزلة، تمضي قدماً في برنامج تسلحها: فقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة أن كوريا الشمالية تبني على الأرجح نفقاً جديداً استعداداً لتجربتها النووية الخامسة.بدأ المسؤولون في اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان يسأمون من الجهود الدولية الرامية إلى وقف برنامج بيونغ يانغ، حتى إن البعض يعتقدون أن الصين مسرورة بالوضع الراهن الذي يبقي كوريا الشمالية مستقرة ومحتواة.يبدو الوضع متأزماً خصوصاً في اليابان، التي ضمّنت دستورها سياسة مسالمة بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها في السنة الماضية سنّت تشريعات أعادت فيها تفسير دستورها كي تسمح بتنفيذ عمليات عسكرية في الخارج للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، مع أن هذه يجب أن تقتصر على العمليات الدفاعية بطبيعتها.يذكر بعض المسؤولين والمحللين أن الحظر النووي يخضع أيضاً لإعادة نظر، وخصوصاً مع إصرار الصين على توسيع رقعة الأراضي التي تدّعي أنها تمتلكها لتشمل جزراً ومساحات مائية تدعي اليابان أيضاً أنها تابعة لها. في الوقت عينه، يشعر قادة يابانيون كثر أن أوباما لم يتحدَّ بكين بالقوة الكافية. ولا شك أن اقتراح ترامب بأن اليابان وكوريا الجنوبية قد تضطران إلى الدفاع عن نفسيهما لم يحقق أي هدف غير تعزيز المخاوف من أن هاتين الدولتين ما عادتا تستطيعان الاعتماد على الولايات المتحدة لتحميهما.يوضح باتريك كرونين، مدير بارز في برنامج أمن آسيا والمحيط الهادئ في مركز الأمن الأميركي الجديد: "يدفع الخطاب الأميركي المتهور، الذي يشكك في التزام الولايات المتحدة الأمني عموماً وردعها النووي الموسّع خصوصاً، المخططين الأمنيين في طوكيو إلى رسم استراتيجيات تحوّط".يضيف كرونين: "لطالما ساد الاعتقاد أن اليابان تخبئ قنبلة في المخزن، وأنها لا تحتاج إلا إلى جمع أجزائها للحصول على قنبلة. لكن التحديات التقنية قد تكون أكبر بكثير، مع أن العقبات السياسية تشكّل الحواجز الفعلية التي تمنع اليابان من تطوير أسلحة نووية"، لكن هذه الحواجز بدأت تضعف، وإن كانت لا تزال عالية.على سبيل المثال، بعيد إعلان ترامب التزاماته في شهر مارس، أخبر حاكم محافظة أوساكا في اليابان المراسلين أن على بلده إعادة النظر في مسألة الأسلحة النووية.سأل الحاكم إيشيرو ماتسوي: "ماذا نفعل إن زالت قوة الولايات المتحدة العسكرية [من اليابان]؟ لا تحقق الأماني أي هدف".على نحو مماثل، طرح محافظون يابانيون آخرون الحجة ذاتها في السنوات القليلة الماضية، بمن فيهم شنتارو إيشيهارا، الذي تبوأ منصب حاكم طوكيو حتى عام 2012 وأعلن عام 2011 أن من الضروري "أن تمتلك اليابان أسلحة نووية".لفت هذا الخطاب انتباه الخبراء المتخصصين في الشأن الياباني في الولايات المتحدة، الذين افترضوا طوال عقود أن هذا البلد لن يطور أسلحة نووية. يشير ريتشارد سامويلز، مدير مركز الدراسات الدولية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "باستثناء بعض المتطرفين على الهامش، تحدث قليلون عن أسلحة نووية" في اليابان.بالإضافة إلى ذلك، جاء في مقال افتتاحي في صحيفة Chosun Ilbo المحافظة في سيول في مطلع هذه السنة: "ما عادت سيول قادرة على الجلوس مكتوفة اليدين في وقت لا تؤدي فيه المحادثات [النووية] إلى أي نتيجة وتنشغل بكين وواشطن بإلقاء كل منهما مسؤولية إخفاقاتهما الدبلوماسية على الأخرى"، ويؤكد كرونين أن هذا الخطاب "يعود إلى خوف عميق من أن تتخلى عنهم" الولايات المتحدة.لكن أوباما لم يولِ هذه المسألة أهمية كبيرة، عندما سئل في مؤتمر صحافي عن إعلان ترامب السماح لليابان وكوريا الجنوبية ببناء أسلحتهما النووية الخاصة. قال أوباما إن هذا الكلام يكشف أن "ترامب لا يعرف الكثير عن السياسة الخارجية، والسياسة النووية، وشبه الجزيرة الكورية، أو العالم عموماً".أضاف أوباما أن تحالف الولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية "يشكّل أحد أعمدة وجودنا في منطقة المحيط الهادئ الآسيوية"، مؤكداً أن هذا التحالف "ألغى احتمال التصعيد النووي" في المنطقة، وختم الرئيس الأميركي: "لذلك لا مجال للعبث بأمر مماثل".مايكل كرولي - Michael Crowley
مقالات
كابوس أوباما النووي الآسيوي
26-05-2016