الحرب والسلام والماء
تواجه الهند حاليا أسوأ أزمة مائية منذ سنوات، حيث تضرر من الجفاف الشديد ما يقدر بنحو 330 مليون شخص، أي ربع سكانها، كما تشهد إثيوبيا أيضا أسوأ موجة جفاف منذ عقود، الشيء الذي دمر بالفعل العديد من محاصيلها، وأدى إلى نقص المواد الغذائية الذي يعانيه نحو 10 في المئة من السكان، وفي ظل هذه الظروف ارتفعت مخاطر التوتر بسبب انخفاض الموارد.في الماضي أدت موجات الجفاف القاسية إلى صراعات وحروب بين المجتمعات والدول المجاورة، فأول حرب سجلت في التاريخ اندلعت قبل نحو 4500 سنة، عندما قامت سلطات مدينة لاكاش، التي تقع بين نهري دجلة والفرات في العراق الحديث، بتحويل المياه من جارتها، كما أثار التنافس على الماء حوادث عنف في الصين القديمة وبث عدم الاستقرار السياسي في مصر الفرعونية.
واليوم أصبحت الحروب الفعلية بين الدول حول الموارد المائية نادرة، نظراً لتحسن الحوار والتعاون عبر الحدود، لكن داخل البلدان أصبح التنافس على المياه مصدرا أكثر شيوعا لعدم الاستقرار والصراع، خصوصا أن التغير المناخي يزيد من شدة الظواهر الجوية الحادة وتوترها، وكما نبين في تقريرنا الجديد "مرتفع وجاف: تغير المناخ والمياه والاقتصاد"، يقلص توافر المياه النادرة وغير المنظمة من النمو الاقتصادي، ويحرض على الهجرة، ويشعل الصراع المدني الذي يغذّي هجرة غير مستقرة على المدى البعيد.كانت هذه الظاهرة واضحة في بعض المناطق على مدى عقود، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على سبيل المثال، خلال السنوات العشرين الماضية تسببت قلة الأمطار أحيانا في أعمال العنف، ونتجت عنها حروب أهلية وتغيير النظام، وفي أجزاء كثيرة من إفريقيا الريفية والهند، تم اعتبار تدهور معدلات سقوط الأمطار "عامل دفع" للهجرة الداخلية أو عبر الحدود إلى أماكن أكثر وفرة للمياه، إذ شهدت أغلب المدن ضغوطا اجتماعية جديدة بسبب ارتفاع أعداد النازحين.في تقريرنا نتوقع أن تزيد ندرة المياه من خطر الصراع، كما أنها تولد سلسلة من الصراعات والعنف والنزوح، خاصة في المناطق التي تعاني نقص المياه، مثل الشرق الأوسط ومنطقة الساحل في إفريقيا، حيث تظل الزراعة مصدرا مهما للشغل.لحسن الحظ هناك وسيلة لتجنب دوامة الفقر والحرمان والصراع، ولن يتحقق ذلك إلا إذا عملت البلدان الآن على تنفيذ سياسات وممارسات فعالة لإدارة المياه، تدعمها حوافز مخططة جيدا، وبهذا لا تستطيع هذه البلدان تجاوز ندرة المياه فقط، بل رفع معدلات النمو الاقتصادي لديها بنسبة تصل إلى ست نقاط مئوية سنويا. ويعدّ المغرب من بين الدول التي اتخذت إجراءات لتحسين مرونتها في وجه تغير المناخ رغم معاناته من ندرة المياه، ففي السنوات التي تقل فيها الأمطار، لا تعطي السلطات المائية الأولوية لري المحاصيل الزراعية في المغرب، باعتبارها أكبر مستهلك للمياه في البلاد. لكن، بطبيعة الحال، تضمن الزراعة الأمن الغذائي للسكان، واستثمرت الحكومة كثيرا في تحديث البنية التحتية للري لتزويد المزارعين بخدمات أكثر فعالية تمكنهم من ضبط التغيرات في وفرة المياه بسهولة أكثر.كما تعمل السلطات المغربية على تحسين تدبير المياه الجوفية لتجنب الإفراط في استخراجها، ويتلقى المزارعون الذين يعملون في الزراعة البورية أو البعلية الدعم الذي يساعدهم في الاستفادة بشكل أفضل من هطول الأمطار، وذلك من خلال إدخال الممارسات المناسبة للمناخ مثل البذر المباشر، مما يؤدي إلى ارتفاع الإنتاج مقارنة مع الممارسات التقليدية خلال سنوات الجفاف.فالرسالة التي يقدمها المغرب وكذلك تقريرنا، هي أنه بفضل تنفيذ سياسات مائية ذكية، يمكن للبلدان التكيف مع تغير المناخ وضمان مستقبل مائي آمن، وبفضل استراتيجيات فعالة لإدارة المياه، سيتم تحسين التخطيط لتوزيع الموارد المائية، واعتماد الحوافز لزيادة الكفاءة، والاستثمار في البنية التحتية من أجل تحسين الأمن المائي، وإحكام التخطيط الحضري، وإدارة المخاطر، وإشراك المواطنين، وستقوم اللجنة الدولية الرفيعة المستوى حول الماء التي أنشئت مؤخرا، والتي تضم عشرة رؤساء دول، بتعزيز هذا البرنامج لتشجيع إدارة المياه بطريقة أفضل على الصعيد العالمي.وبالطبع لن يقوم كل بلد باتباع المسار نفسه لضمان مستقبل مائي آمن، وفي إطار تطوير استراتيجياتها، يمكن للبلدان الاستعانة بأفكار وتجارب بعضها لتحديد العمل الذي ينبغي القيام به، وباتخاذ إجراءات قوية وحذرة تستطيع الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تتعامل بشكل فعال مع القيود الطبيعية والشكوك التي تؤثر في الموارد المائية، وأن تجعل شعوبها واقتصاداتها على أتم الاستعداد لمواجهة ما يمكن أن يحمله المستقبل. لورا تاك*نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي للتنمية المستدامة.«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»