ينتمي الفنان التشكيلي المصري الدكتور فرغلي عبدالحفيظ إلى جيل الستينيات، الذي يعي دور الفن التشكيلي في التغيير وإعلاء قيمة الجمال. ويعمل دائماً على تطوير تجربته من منطلق قدرته المستمرة على البحث والتجريب، وهو ما تجلى في معرضه الأخير {روما- فرغلي}، الذي يدخل في سلسلة معارضه عن المدن التي وصلت إلى 14 معرضاً، جاءت متأصلة من هويته وتفاعله مع بيئته الشرقية.

Ad

{الجريدة} التقته على هامش معرضه الأخير في غاليري الفن بالقاهرة، وكان معه الحوار التالي:

أخبرنا عن {روما – فرغلي}.

يدخل المعرض في سلسلة معارض المدن التي قدمتها، وهو الرابع عشر. عشت في روما عاماً دراسياً في الستينيات، ولكنها ما زالت موجودة في الذاكرة، وسافرت إليها أخيراً لإنجاز المعرض الذي يعُد نتاج حضور مباشر في روما، ونفذت اللوحات كافة هناك كإسكتشات ثم استكملتها في المرسم بمصر.

ما الذي يجذبك في المدن؟

تأسرني المدن بجمالها وتاريخها وبتكوينها البشري المتنوع. تتمتّع كل مدينة بمذاق خاص وطابع معيّن وحالة فنية فريدة، تتغير بتبدّل المكان. مدن مثل: روما، باريس، لندن، أثينا، أسطنبول، أسوان، القاهرة، الأقصر والإسكندرية، بتجمّعها البشري هي منجم لثقافة البلاد، ويغريني الاتصال بين الإرث القديم والحالة المعاصرة.

هل ينبغي التواجد والتعايش في هذه المدن لرسمها؟

لا بد من الاتصال المباشر. ثمة فرق بين النقل من صورة بالكاميرا وبين عقد اتصال مع الحياة والتاريخ، لأن لكل مدينة صفحات قديمة تتحدث عنها سواء من خلال العمارة والبيوت أو الناس بأزيائهم ونشاطهم وأفكارهم. عندما يرسم الفنان لوحته داخل المدينة يتصل بحقيقتها، وليس بصور فوتوغرافية لها. فمهما كانت الكاميرا قوية وتسجل جانباً مهماً، لن تتمكّن من تلقي روح ومشاعر المدينة، لذا نجد بصريات مرسومة لهذه المدن من بعض الفنانين. كذلك أرى أن القراءة مهمة أيضاً في هذا الجانب.

كيف ترى التاريخ في {روما – فرغلي}؟

يحضر التاريخ بقوة في المعرض. روما ابنة أثينا، وأثينا في جوانب حضارية عدة ابنة مصر لأنها استفادت من حضارتها القديمة. ومن يرى التاريخ بصورة حقيقية يدرك أن روما جزء من المد الثقافي المصري. بالتالي، هي حفيدة مصر. عشقت روما وتسامحت معها رغم تحطيم الرومان القدامى حضارة الإسكندرية وقسوتهم في اتجاه الحضارة المصرية، فأنا مؤمن بأن سكان روما الحالية مسالمون ومحببون إلى النفس.

تعنون بعض لوحاتك ما لا يترك الحرية للمتلقي في قراءتها.

تشظت كلمة الحرية وتم فهمها بطريقة خاطئة... الحرية ليست أن يرسم الفنان ويترك المتلقي يرى اللوحة كيفما يشاء، بل تكمن في إعطاء رسالة للرائي توجهه إلى اللوحة ومنبتها واتجاهها كي يحلم بها ويعرف اتجاهه ومساره الصحيح. عنونة اللوحات مسألة معاصرة بدأت بعد النصف الأول من القرن العشرين بعد ظهور المدرسة التكعيبية والتجريبية عندما بدأ الفنان يكتب {تكوين}. أما عدم وجود عنوان فهي قضية أكاديمية انتهت.

فرغلي في سطور

ولد فرغلي عبدالحفيظ في ديروط بمحافظة أسيوط عام 1941، تخرج في كلية التربية الفنية وأكاديمية الفنون الجميلة بفلورنسا، وعمل عميداً لكلية التربية الفنية منذ عام 1989 حتى 1994. مثّل مصر في بيناليات وفعاليات دولية عدة، وعرضت أعماله في متاحف كثيرة وبيع بعضها في مزاد كريستي بدبي.

كذلك صمّم الديكور المسرحي ومؤثرات الإضاءة الخاصة بأوبرا {عايدة} في براغ.

مصر التي أعشقها

وقّعت كتابك الجديد {مصر التي أعشقها لا تموت} خلال إقامة معرضك الأخير. ماذا عنه؟

أصدرت خمسة كتب هي {فرغلي} و}التنقيب عن الطاقة الروحية}، أسطورية البتراء}، {المرأة المصرية}، وكتابي الأخير مصر التي أعشقها لا تموت}. يشكل الأخير بالنسبة إلي موقفاً فكرياً وعاطفياً تجاه حوادث أليمة تعيشها مصر خلال السنوات الأخيرة، وقد وضعت انطباعاتي ومشاعري فيه، لا سيما أن لمصر دوراً مهماً في تاريخ البشر. وأردت أن أسجّل معرضي في الكتاب كوني أرى أنه مهم، ومن ثم يتم إلقاء الضوء على جوانب ومفاهيم ورسائل تضمنتها اللوحات مع بعض الإشارات المختصرة عن جماليات حققت أو تبنت المضامين.

أنت أحد أضلع {جماعة المحور} التي ضمّت كلاً من الدكتور أحمد نوار، ومصطفى الرزاز، وعبد الرحمن النشار، ماذا عن هذه الجماعة؟

أنشئت الجماعة في فترة اضمحلال فني، خلال السبعينيات حيث بدأ الشباب يعزفون عن تقديم فن واتجهوا إلى العمل في الديكور لأنه يجلب المال، وبدأ الإبداع الذي ازدهر في الستينيات يخفت، من ثم كانت {جماعة المحور} رد فعل على الاضمحلال، واستمرت سنوات عدة ثم تفككت كشأن كثير من الجماعات.

وأرى أن عدم الاستمرار في الجماعات الفنية ينتج من خلال توجهات شخصية لأعضائها، بمعنى يكون يكون ثمة أفراد لديهم اهتمام أكثر من غيرهم. كذلك يفكّك التنوع في الطموح والاتجاهات هذه الجماعة.

أقمت العام الماضي في قاعة الفن معرضاً بعنوان {الحنين المستقبلي}، وأشركت فيه مجموعة من الفنانات الناشئات، ما شكّل بداية جماعة جديدة. لكن المفترض أنها ستتسع لأنها ليست جماعة تشكيلية في الأساس بقدر ما هي ثقافية.

ما أهداف {الحنين المستقبلي}؟

من المفترض أن تعزّز هذه الجماعة رؤيتنا الفنية للمستقبل. نتذكر أم كلثوم والسنباطي وغيرهما، ولكن نحن نريد أن نقدم فناً للغد، أن نفكر في المستقبل، ونبدع فناً عظيماً. ذلك أفضل من أن نتباكى على الماضي.

طموحي بالنسبة إلى هذه الجماعة أن تكبر وتتسع ليكون الفن مبهجاً وفيه قدر من الالتفاف والشجاعة والرؤية الإيجابية للمستقبل. تمرّ مصر بفترة صعبة جداً تأخذنا إلى شكل من التشتت، فيما الجماعة تهدف إلى تجميع الناس.