العراق مشكلة الرئيس التالي الكبرى
عندما يغادر الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض في شهر يناير عام 2017، ستكون منطقة "داعش" في العراق قد تقلصت أكثر، فسيحتفظ مقاتلو هذا التنظيم رسمياً بالسيطرة على عدد محدود من الجيوب المعزولة، ربما حول الموصل في شمال غرب العراق. وتستطيع إدارة أوباما المنتهية ولايتها أن تستمد العزاء على الأقل من أن أعمالها ساهمت في استنفاد موارد "داعش"، وساعدت المقاتلين في انتزاع المناطق من قبضة هذا التنظيم.لكن العراق سيبقى بعيداً كل البعد عن الحل النهائي، أو على الأقل عن الحل الذي أمله أوباما عندما استلم منصبه عام 2009، فما زال الدرب أمام المصالحة الوطنية طويلاً، لا شك أن رئيس الوزراء حيدر العبادي أقل تعصباً طائفياً بكثير من سلفه نوري المالكي، ويدفعنا هذا إلى التساؤل عما إذا كانت إدارة أوباما تمارس الضغوط على المالكي وفريقه بشأن سياساتهم المقسّمة في الأشهر التي سبقت استيلاء "داعش" على غرب العراق، لكن العبادي كان مهندساً مقيماً في بريطانيا إلى أن انهار نظام صدام حسين، لذلك يفتقر إلى الدعم الشعبي الواسع في العراق. بالإضافة إلى ذلك، لا يرأس العبادي ميليشيا، على غرار بعض خصومه السياسيين من الشيعة. إذاً، يعتمد رئيس الوزراء هذا إلى حد كبير على حسن نوايا الآخرين في ائتلافه السياسي الشيعي، بمن فيهم رجال يستندون إلى المال والسلاح الإيرانيين للحفاظ على نفوذهم.
عقبات أمام الوحدة بخلاف المالكي، تبدو علاقة العبادي بمنطقة كردستان العراقية صحيحة، وإن لم تكن وطيدة، فلم تثر حكومة العبادي ضجة كبيرة بشأن صادرات النفط الكردية التي تُعتبر انتهاكاً للاتفاق الذي أُبرم عام 2015، ومع أن حكومة بغداد خفضت ما تدفعه لحكومة إقليم كردستان نتيجة تراجع الصادرات التي تتلقاها من الأكراد، إلا أنها تواصل بهدوء دفع مستحقاتها الأخرى، بما فيها بعض رواتب الموظفين. يجيد رئيس حكومة كردستان العراق مسعود البارزاني التخطيط بدقة والتفاوض بمهارة. ومع أن بعض الكلام الكردي يشكّل وسيلة مناورة فحسب، لم يقدِم البارزاني على أي خطوات مستفزة، فالضغوط التي يتعرض لها الأكراد بسبب "داعش" واقتراب خزانة حكومة إقليمي كردستان العراق من الإفلاس يبطئان التقدّم نحو الاستقلال، ولكن من الممكن في غضون السنوات الخمس المقبلة أن يعلن أكراد العراق استقلالهم مع حصولهم على نوع من التطمينات من تركيا، إلا أن السلاسة التي ستسير بها هذه العملية تعتمد على إمكان التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود الفاصلة بين ما تبقى من العراق ودولة كردستان الجديدة.إذاً، ستُضطر الحكومة العراقية في النصف الثاني من عام 2016 إلى مواجهة مسائل الحوكمة بإلحاح أكبر، في حين يتعرض تماسكها لضغوط غير مسبوقة، وحتى لو نجحت هذه الحكومة في الحفاظ على وحدتها، تعاني موازنة بغداد ضائقة كبيرة، مما يدفع العراق إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.يشكّل إرساء حوكمة جيدة وتمكينها مسألة أكثر أهمية من عودة اللاجئين إلى بلدهم المحرر، فلا يكشف "العد العكسي"، الذي تعتمده إدارة أوباما في إحصاء عدد العرب السنة العائدين إلى موطنهم في بعض البلدات المحددة، ما إذا كانوا سيحظون بالخدمات الأساسية، سيحصلون على وظائف جديدة، وسيتلقون معاملة منصفة من الشرطة والقضاة المحليين، فلا تساهم مقاربة التصدي لـ"داعش" عسكرياً فحسب في القضاء على هذا التنظيم المقاتِل بالكامل. فعلى الولايات المتحدة بعد ذلك تطوير سياسة أكثر عمقاً تضمن مستقبل الدولة العراقية بطريقة تحدّ من القتال وتُعالج الأحقاد الكامنة التي سمحت لـ"داعش" بالازدهار في المقام الأول. فمن دون المصالحة الوطنية، لن تنعم الدولة العراقية بالاستقرار مطلقاً، ولن تموت بذور المجموعات المتطرفة الرجعية الشبيهة بـ"داعش".* روبرت فورد