«أبيهم بدفتر»
أتفهم أن تستخدم العادات والتقاليد في أمور اجتماعية كالزواج والأعراف التي تسبقه وشكل الاحتفال به، وأفهمها أيضا بطريقة تأدية واجب العزاء، ولا بأس بها أيضا حينما تستخدم في الفنون كأنواع الموسيقى والإيقاعات المستخدمة لكل مجتمع مثلا، لكن ما لا أفهمه أن يتم إسقاط العادات والتقاليد على حاضرنا بشكل أكثر من هذا النطاق الضيق.
كالعادة يطالب نائب وأحيانا مواطن بمنع حدث من أي نوع ندوة، أو حفلة، أو كتاب، أو دخول شخصية وغيرها بحجة تعارض الحدث مع العادات والتقاليد، فترضخ الحكومة فوراً، حتى وزير الداخلية الحالي والذي قيل عنه إنه ذو شخصية قوية، يخضع بسهولة لأي إيماءة تهديد ممهورة بكلمة عادات وتقاليد.والغريب في الموضوع أن مطالبات المنع تلقى أسرع أنواع التجاوب الحكومي في الكويت، أما بقية المواضيع فإما أن تشكل لها لجان شكلية أو لا تلقى رداً أصلا من الحكومة، على سبيل المثال موضوع تطاير «الحصم» من الشوارع والذي شكلت له لجنة، أو مطالبات الفنانين بمسارح من أكثر من ثلاثين سنة ولم تلق أي اهتمام إلى اليوم، أو مطالبات الرياضيين بمنشآت محترمة منذ عقود ولم يتجاوب أحد، وغيرها الكثير من المطالبات التي لا تلقى بالاً لدى الحكومة، إلا مطالبات المنع التي تتجاوز كل البيروقراطية والتجاهل. على أي حال فرضوخ الحكومة لأي أمر غير دستوري هو نهج لا يتغير وإن تغير الأشخاص، لكن ما يعنيني حقا هو موضوع العادات والتقاليد، وهو المصطلح الذي يستخدمه الجميع للنهي عن أمور معينة، فلا الشعر من عاداتنا ولا الموسيقى ولا الثقافة طبعا إن لم تتناسب مع أفكار المطالبين بالمنع.مع العلم أن الإسلام لا يعترف بالعادات والتقاليد، بل جاء لإلغاء تلك العادات أصلا، ولو كان نواب العادات والتقاليد موجودين مع ظهور الإسلام لعارضوا كل ما جاء في الرسالة؛ لأنه يخالف العادات والتقاليد حينها، بل إن عادات وتقاليد أيام ما قبل الإسلام باتت تسمى بالجاهلية اليوم، في مؤشر واضح على أن ما يتم التعارف عليه عند مجتمع لا يشترط بالضرورة أن يكون صالحا أو جيدا أو مقبولا.قد أتفهم أن تستخدم تلك العادات بأمور اجتماعية كالزواج والأعراف التي تسبقه وشكل الاحتفال به، وأفهمها أيضا بطريقة تأدية واجب العزاء، ولا بأس بها أيضا حينما تستخدم في الفنون كأنواع الموسيقى والإيقاعات المستخدمة لكل مجتمع مثلا، لكن ما لا أفهمه أن يتم إسقاط العادات والتقاليد على حاضرنا بشكل أكثر من هذا النطاق الضيق، بل إن العادات والتقاليد طريق سريع للجهل، فلا الإنترنت ولا السيارة ولا التلفاز ولا الهاتف ولا التكييف من عاداتنا وتقاليدنا، كما أن من عاداتنا وتقاليدنا الغوص والرعي والأعمال الحرفية بكل أشكالها، وهو ما يعني أنه حتى استقدام العمالة ليس من عاداتنا وتقاليدنا، فلماذا يتم استثناء كل تلك الأمور من مطالب المحافظة على العادات والتقاليد ولا تستخدم إلا ضد الأفكار المخالفة فقط؟يفترض أننا في دولة يحكمها دستور وقانون ولا مكان للعادات والتقاليد إلا في نطاق الأسر نفسها، وما تتعارف عليه اجتماعيا فقط لا غير، أما أن تتحول تلك العادات والتقاليد إلى نصوص قانونية غير مكتوبة تتحكم فيها الأهواء فهو أمر سخيف، فإما أن تتحول عاداتنا إلى قوانين مقرة بطرق قانونية كي نتمكن من التعاطي معها بشكل مناسب، ويتم تسجيلها بكتيب يعرفنا بماهيتها، أو ألا تبنى عليها قرارات تمس مجتمعا متنوعا ومختلفا.