«ضربة معلم»!

نشر في 01-05-2016
آخر تحديث 01-05-2016 | 00:01
 مجدي الطيب المفهوم الشائع عن الأفلام السياسية المصرية أنها تناقش قضايا زمنها، وغالباً ما ينتهي مفعولها بانقضاء الحدث الذي تناولته، أو زمن إنتاجها، كالأفلام التي تحدثت عن «قضية فلسطين»، «الاتحاد الاشتراكي»، «مراكز القوى»، «النظام البائد» و«انتخابات مجلس الشعب». وهو انطباع خاطئ لا ينبغي تعميمه، ويمكن التشكيك فيه بسهولة إذا ما قرأنا غالبية أفلام عاطف الطيب، التي تتواصل مع القضايا اليومية الراهنة، وكأنها «ابنة اليوم»، وهو ما وصفه الناقد والباحث والمخرج هاشم النحاس في كتابه «رائد الواقعية المصرية المباشرة» بالآنية، أي الأفلام التي تشعر وأنت تراها بعد سنوات من إنتاجها بأن أحداثها تعكس الواقع المُعاش، وتحمل صفة الزمن الحاضر!

«ضربة معلم» نموذج حي للفيلم السياسي بمفهومه المثالي. الفيلم الذي كتبه بشير الديك وأخرجه عاطف الطيب أنتج في عام 1987، ومع هذا فإن من يُشاهده بعد تسع وعشرين سنة من إنتاجه، يكتشف آنيته ومصداقيته من حيث القضايا التي طرحها، والظواهر التي عرّاها، والجرأة التي تعامل بها مع تلك القضايا والظواهر، فضلاً عن الوعي الواضح بإرهاصات ظواهر لم تكن قد تبلورت في حينها، ونجح كل من المؤلف والمخرج في التنبؤ بها!

أول ما يلفت النظر في الفيلم أن «الطيب» بدأه بمشهد لمدفع مصحوباً بشريط صوت جهوري: «مدفع الإفطار اضرب»، وبعده يُرفع الآذان، وتخلو الشوارع من المارة (تصوير محسن نصر)، ونُدرك فوراً أن الأحداث تجري في شهر رمضان، بكل ما يعنيه اختيار المدفع من مواجهة، والشهر من دلالة، كالحض على التقوى والاستغفار، والدعوة إلى كبح جماح الشهوات والشرور، والكف عن ارتكاب المعاصي، والتطهّر من الذنوب. وهو ما نرى نقيضه في الفيلم الذي ينتهك فيه شاب حرمة رمضان، ويُطلق وابلاً من الرصاص على عشيق أمه، وعندما يتم استدعاء المقدم «رفعت عبد ربه» (علاقته بالله في اسمه)، يفاجأ بأن القاتل «وليد» (شريف منير) مدعوم من أبيه رجل الأعمال «شاكر القناوي» (كمال الشناوي)، الذي يحميه بنفوذه وماله، وبشبكة علاقاته، واستثمار مناخ الفساد والانحراف الذي أشار إليه الفيلم بأكثر من مشهد مثل: 1 - إقناع «الرجل الكبير في المقطم» (وزير الداخلية في الغالب) بالإطاحة بالضابط الشريف «بكري» (صلاح قابيل) وتنحيته عن القضية حماية لأباطرة الفساد ... 2 - متلازمة السلاح والمخدرات... 3 - شيوع التزوير وتلفيق التهم (الزج بطليقة الأب في مستشفى المجانين بناء على شهادة مزورة)... 4 - العدل يُشترى بالمال (القانون والمحكمة دول أقدر اشتريهم بفلوسي)... 5 - فضح انحراف بعض القضاة والمحامين (اعتاد المستشار والمحامي الدفاع عن الأشرار مقابل رشاوى مالية)... 6 - فساد المحليات (العمدة يتستر على الابن الهارب)... 7 - الضغط على الفقراء واستغــــلال حاجــاتهم الدنيوية لتمرير مآرب شيطانية... 8 - انتحال صفة ضباط الشرطة لقهر المواطنين... 9 - اختراق الداخلية (يرفض البطل إبلاغ رئيسه (بدر نوفل) بخطة الإيقاع بالأب وابنه خشية قيامه بإفشائها أو تعطيلها)!

في سياق غير بعيد، يرصد «ضربة معلم» بداية الانقلاب الاجتماعي، وتوحش طبقة رجال الأعمال، حيث يبلغ رأس مال الأب مئتي وخمسين مليون دولار أميركي، بينما يعجز الضابط الشاب (35 سنة) عن امتلاك شقة، ويضطر إلى العيش مع أمه وشقيقه وشقيقاته وأزواجهن وأبنائهن. وثمة إشارة أخرى لا ينبغي تجاهلها أو إغفالها عن نشوء ظاهرة الحجاب في مصر، حيث يسأل البطل زوجته «نجوى» (ليلى علوي) المعيدة في كلية البنات عن الأسباب التي دفعتها إلى ارتداء الحجاب فتبرر هذه الخطوة قائلة: «لقيت كل البنات بيتحجبوا... والمشرفين عاوزينا نتحجب وإلا مش حيدونا الرسالة»، وهي ضغوطات مورست على نطاق مجتمعي واسع بعد ذلك، لكن «الديك» و»الطيب» كانا أول وأجرأ من وضعا أيديهما على الظاهرة!

لا يعني هذا أن «ضربة معلم» افتقر إلى اللغة السينمائية التي تترجم رسالته السياسية، بل يمكن القول إنه أحد أكثر الأفلام تكاملاً في عناصره الفنية، وانسجاماً بين الفكرة والصورة، فالأب يعود إلى مصر وحيداً على متن طائرة ضخمة في إيحاء بثرائه الفاحش، وعندما تقع عيناه على صحيفة نشرت خبر الجريمة التي تورط فيها ابنه يضطرب خشية تدخل الصحافة، وعندما يفشل البطل في إجهاض محاولة اللصوص سرقة «الصيدلية» يصوره المخرج وقد سقط على الأرض، وتلوث وجهه، في إيحاء بأنهم «مرمغوا رأسه في الطين». وتبلغ التجربة ذروتها من التشويق والإثارة (مونتاج سلوى بكير) بفضل موسيقى (محمد هلال) والنهاية التي تتصاعد فيها أنفاس البطل، في ما يشبه «الكريشندو»، وهو يُصدر قرار اعتقال رؤوس الفساد رغم عبثية النهاية وعدم واقعيتها!

back to top