أثارت رسالتك المنشورة لصاحب السمو أمير الكويت بخصوص مجلة «العربي» نوعاً من الجدل، هل ثمة تفسير لها؟

Ad

«العربي» ليست ملكاً للكويت فحسب، بل هدية الكويت للثقافة والمثقفين العرب. بالتالي، تخرج المجلة من سياقها الكويتي المحدود إلى السياق العربي الأرحب والأوسع، وهي تشبه مجلة «ناشونال جيوغرافيك» الأميركية، المترجمة أخيراً إلى العربية، بالتأثير الثقافي والعلمي والانتشار على مستوى العالم. وباتت المجلة تختفي تدريجياً من الساحة الثقافية، وهي إشكالية كبرى من وجهة نظري تستحق التوقف أمامها، خصوصاً أن صورة الكويت في العالم العربي تأتي كدولة حاضنة للثقافة منذ الخمسينيات بإصدار مجلات «العربي»، «عالم الفكر»، «الثقافة العالمية»، إضافة إلى مشروع النشر العلمي لجامعة الكويت، الذي يعتبر أفضل مشروعات النشر العلمي للجامعات العربية كلها، نتيجة للمصداقية الأكاديمية التي اكتسبتها جامعة الكويت في مجلس النشر العلمي.

و«العربي» هي المجلة الكويتية الأساسية التي تقدم الثقافة لكل العرب، سواء كانوا «أكاديميين» أو «غير أكاديميين»، وكانت تطبع سابقاً نحو 80 ألف نسخة انخفضت إلى 10 آلاف، وهذا أمر كارثي خصوصاً أن ما يصل إلى مصر منها نحو ألف نسخة فقط، بينما كان يصلنا منها سابقاً نحو 40 ألف نسخة، خلاف ما يوزع في العالم العربي. لذا الرسالة إلى صاحب السمو أمير الكويت، تطلب ضرورة خروج «العربي» من البيروقراطية الكويتية لتصبح مؤسسة ثقافية مستقلة، خصوصاً أن د. عبداللطيف الحمد، رئيس صندوق الإنماء العربي، طرح منذ سنوات إقامة صندوق يمول المجلة، وأن تتحوّل إلى مؤسسة ثقافية تتبعها قناة فضائية وموقع رقمي، إلا أن المشروع أجهض.

يرد البعض على وجهة نظرك بأن توزيع «العربي» يواجه ما تعانيه المطبوعات الثقافية في مصر عموماً؟ وربما يفوق توزيعها بعض المطبوعات المصرية؟

اختلف معك بالنسبة إلى «العربي» التي بنيت جمهوراً عبر سنوات طوال، يرى أنها تحمل «موروثاً ثقافياً» عربياً يسعى إليها ويرغب فيها. بالتالي، إذا فقدت الكويت لا قدر الله «العربي» وتأثيرها الثقافي، فقدت وجودها على الساحة الثقافية العربية، علماً أن ما استثمرته الكويت في «العربي» تعيده بقرار أو تفقده بقرار، وما زالت في مصر مطبوعات ثقافية ناجحة، وتوزيعها مرتفع.

أما القضية الأساسية التي تواجه المطبوعات الثقافية في عالمنا العربي، فهي كارثة ما يسمى سوق الإعلانات، حيث تذهب شركات الإعلانات إلى الفضائيات والبرامج والمطبوعات الترفيهية، بينما لا توجد قواعد منظمة لتوزيع الإعلانات تجبر الشركات على تمويل البرامج والمطبوعات الثقافية والعلمية مثلما يحدث في الغرب. ويجب أن تجبر الشركات الإعلانية على أن يكون 30% من حجم إعلاناتها لتمويل كل ما هو ثقافي وعلمي، عبر قوة منظمات المجتمع المدني، ضد هذه الشركات التي تعمل ضد الثقافة والهوية العربية، لنعيد التوازن لصالح الثقافة والعلم وليس للتسلية والترفيه فحسب.

وأرى أن مشروع دولة الكويت الثقافي انطلق منذ الخمسينيات، وحققت من خلاله رصيداً ضخماً في الحركة الثقافية العربية، خصوصاً أن صاحب السمو أمير الكويت، صدرت «العربي» في عهده وهو وزير للإعلام بفضل رعايته، ولا يجب أن تفقد المجلة رصيدها في المشروع الثقافي العربي وهو أمير للبلاد.

من وجهة نظرك ما هي إشكالية المطبوعات الثقافية في العالم العربي عموما؟

هي إشكالية التحوّل من الثقافة المقروءة إلى الثقافة البصرية والرقمية، لذا مشروع تطوير مجلة «العربي» الذي قام به المثقف الكويتي الكبير سليمان العسكري كان قائماً على هذا التحوّل، وجرت مناقشات مطولة معه بهذا الشأن، لدرجة أن مكتبة الإسكندرية عرضت على «العربي» أن تتولى «رقمنة» أعدادها كافة مجاناً كهدية للثقافة العربية، ولم نأخذ موافقة المجلة إلى الآن على طلبنا، في موقف نضع حوله علامات استفهام عدة تحتاج إلى إجابة، خصوصاً أن «المكتبة» انتهت فعلياً من رقمنة الأعداد كافة هدية إلى شعب الكويت الشقيق والمثقفون العرب من دون أي أعباء مالية.

كذلك ساعدنا «العربي» في احتفالها بمناسبة مرور 50 عاماً على إصدارها، وأصدرنا كتيب «العربي ديوان الثقافة العربية» ولاقى نجاحاً وإقبالاً من مكتبات العالم. وللعلم، ليست لدى الكويت أزمة تمويل في تطوير مجلة مطبوعة.

مكتبة الإسكندرية

ما دور مكتبة الإسكندرية «التنويري» في مجال الثقافة العربية؟

دورنا الأساسي أن نضع موطأ قدم حقيقياً للثقافة العربية في العالم الرقمي، سواء باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، وهذا الدور مستمر وبناؤه يهدف إلى أن نكون فاعلين على محيط الثقافة الدولي، ونحن نساعد المؤسسات الثقافية العربية بهذا الشأن، ولا نعمل لصالح الثقافة في مصر فحسب، بل لصالح الثقافة العربية عموماً. من هذا المنطلق، جاءت مبادرتان، أن نحول أهم مجلتين تصدرهما الكويت إلى العالم الرقمي وهما «العربي» و«عالم الفكر».

يوجّه البعض انتقادات لمكتبة الإسكندرية بأنها تخاطب النخبة فقط، ما رأيك؟

تحتمل مكتبة الإسكندرية دائماً ما لا يحتمله أي كيان ثقافي مماثل، هي مؤسسة فكرية تخاطب المفكرين والمثقفين، ورغم ذلك لدينا برامج تخدم الأطفال والشباب وبرنامج لمكافحة التطرف الفكري والديني، عبر إقامة دورات للثقافة الإسلامية للشباب من سن 16 حتى 35 عاماً، إضافة إلى دورات تعليم الشباب وإكسابهم مهارات تساعدهم في التوظيف والتواصل مع المجتمعات الأخرى، مثل البرنامج التعليمي بالتعاون مع «إيدكس» وهو أكبر برنامج للتعليم عن بعد مع جامعات أوروبية وأميركية. وللعلم «المكتبة» تقيم أعمالها سنوياً، وتعيد بناء خطط كل خمس سنوات، والديناميكية والمرونة القوية التي تتمتع بها المكتبة لا يتمتع بها كثير من المؤسسات الثقافية العربية.

ما مشروع {ذاكرة العرب المعاصرة} الذي أعلن عن تدشينه في مؤتمر مواجهة التطرف بالمكتبة أخيراً؟

سيتيح المشروع وثائق وأرشيفات العرب للعرب، ومن بينها ذاكرة {فلسطين} عبر قراءة التاريخ والوثائق والأرشيفات والصور النادرة عبر الإنترنت. يقوم المشروع على فكرة أساسية هي، أن ما دمّره {داعش} من تراث سورية واليمن والعراق وليبيا، عبر قتل الذاكرة الأرشيفية لدول عدة، وتهريب وثائق كثيرة من الدول إلى الخارج سيكون متاحاً عبر الموقع، إضافة إلى أن الأخير لا يحمل أية وجهة نظر سياسية، ولدينا مشاركات من دول عربية عدة، من بينها السعودية، تونس، المغرب، الجزائر، لبنان، اليمن، عبر مؤسسات وأفراد، إضافة إلى المشاركة المتميزة لدولة الكويت، خصوصاً أن الدكتور عبد الله يوسف الغنيم، العالم الجغرافي الشهير (مدير مركز الدراسات الكويتية) وافق مبدئياً على مشاركة الكويت في المشروع، وهي لها مساحة كبيرة نظراً إلى ما قام به مركز الكويت للدراسات، خلال السنوات الماضية، في بناء أرشيف هائل من صور ووثائق وأفلام ومواد تاريخية وخرائط متعلقة بالكويت، بما لم ينجح فيه أي مركز مماثل في منطقة الخليج.

هل ثمة شراكة بين مكتبة الإسكندرية والأرشيف البريطاني وغيره من جامعات دولية؟

ليست شراكة ولكنه تعاون بحثي كريم من الجانب البريطاني. لا يعترض البريطانيون على ما نطلبه من وثائق ومعلومات بحثية وأرشيفية، وتوجد علاقات قوية بين مكتبة الإسكندرية ومؤسسات بحثية ووثائقية عدة على مستوى العالم من بينها {مكتبة الكونغرس} الأميركية، والمكتبة الوطنية الفرنسية، وجامعات في بريطانيا، اليابان، الصين، إستراليا، كندا وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى الدول العربية.

من وجهة نظرك متى نرى الكتاب في يد كل مواطن عربي؟

أصبح الكتاب على الهاتف الجوال، والمستقبل له وليس للكتاب الورقي التقليدي. نحن حوّلنا موقع مكتبة الإسكندرية إلى نسخة يمكن تصفحها عبر الجوال والآي باد، والمفاجأة أن هذا التحوّل ضاعف عدد زوار المكتبة من مليون إلى ثلاثة ملايين زائر يومياً حتى يناير الماضي، ونتوقع زيادة الرقم إلى 40 مليون زائر يومياً خلال ثلاث سنوات، لأن المكتبات اليوم ليست مبانٍ، بل خدمات تقدم للجمهور عبر وسائل التواصل الرقمي.