الجريدة• تقضي ليلة في «قلعة الحريات» المحاصرة
عربات مصفحة وحواجز مرور... ومواطنون «شرفاء» يوجهون سباباً علنياً
المشهد كله كان يصب في مصلحة "الحصار"، الذي تعيشه هذه الأيام "نقابة الصحافيين المصريين"، التي أسست عام 1941، ومنذ هذا التاريخ ظلت تحمل لقب "قلعة الحريات".الأمن يغلق شارع عبدالخالق ثروت، حيث مقر النقابة، من شارعي رمسيس وطلعت حرب، بالحواجز الحديدية والسيارات المدرعة والمصفحة، إضافة إلى انتشار عدد كبير من القوات النظامية والقيادات الأمنية الكبيرة، ومنهم من يرتدي ملابس مدنية، حيث يمنع الأمن مرور السيارات، ويستوقف المارة ويستعلم عن هوياتهم، في مشهد لم يتكرر منذ أواخر أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، سألني ضابط برتبه "ملازم أول" عن عملي، وحين عرف أنني أعمل صحافياً سمح لي بالعبور، إلى النقابة.
في الداخل، كان هناك عدد من الصحافيين الشبان، معتصمين منذ ليل الاثنين - الثلاثاء، بعد ساعات من خبر اقتحام النقابة على يد عناصر أمنية مدججة بالسلاح وبزي مدني، للقبض على الصحافيين: عمرو بدر ومحمود السقا، أحدهم كان يتحدث منفعلا، وهو يقول: "إسماعيل باشا صدقي لم يفعلها"، هكذا استهل الصحافي المخضرم عماد الصابر حديثه لمحرر "الجريدة" في بهو النقابة، تعليقا على الاقتحام.داخل البناية رقم 2 بشارع عبدالخالق ثروت، حيث يقف مبنى نقابة الصحافيين شامخا وسط الحصار، كانت هناك خيمة بالداخل تضم أسر بعض الصحافيين المحبوسين، والنقابة تحولت إلى خلية نحل من الشباب، وهم الفئة الواضحة داخل الاعتصام، وبعض شيوخ المهنة، وجيل الوسط من الصحافيين، ثمة تجمعات صغيرة ونقاشات حادة في جو مشحون بالغضب، سكرتير النقابة كارم محمود تحدث لمجموعة من الصحافيين، وهم زملاء لعمرو بدر ومحمود السقا العاملين في "بوابة يناير" الإلكترونية، ردا على استفساراتهم بشأن سير التحقيقات التي أجريت مع بدر والسقا. البعض كان يهتف على سلالم النقابة منفعلا، ولا يريد أن ينتظر إلى اليوم، حيث تنعقد الجمعية العمومية الطارئة للنقابة، التي يفترض أن تقرر التحرك المقبل، لتنفيذ مطالب الجماعة الصحافية بإقالة وزير الداخلية، اللواء مجدي عبدالغفار، الأمر الذي دفع البعض إلى تذكر وقفة الصحافيين ضد حبيب العادلي وزير الداخلية في عهد مبارك، والذي كان أول مطلب لمتظاهري 25 يناير 2011، هو إقالته من منصبه، وهو القرار الذي لم يتخذه الرئيس الأسبق، وبسبب تأخره خسر مبارك كل شيء.شعارات الهاتفين توزعت بين مواجهة شاملة مع النظام، مثل شعار: "يا حرية فينك فينك... أمن الدولة بينا وبينك"، وهو من شعارات يناير الأثيرة، وأخرى ترفض فقط المعالجة الأمنية التي تمت ضد الاحتجاجات على اتفاقية ترسيم الحدود، مع المملكة العربية السعودية، والتي تضمنت تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين في مدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر.نقيب الصحافيين، يحيى قلاش، الذي بدا منهكا من كثرة الحديث، مع وسائل الإعلام لنفي ما تصدره وزارة الداخلية من بيانات بشأن واقعة الاقتحام، بدا غاضبا، على غير عادته، وقال لمحرر "الجريدة" إن أحدا في مؤسسة الرئاسة، حتى مساء أمس الأول، لم يتواصل معه. وأضاف: "لا أحد تواصل معي لا من الرئاسة أو من الداخلية ولا من رئاسة الوزراء، والخطوات التصعيدية سنعلن عنها بعد اجتماع الجمعية العمومية"، المقررة اليوم.بعد منتصف الليل، كان لابد أن أعود إلى البيت، خارج مقر النقابة، كان عدد من "المواطنين الشرفاء" بالقرب من عربات الشرطة، يوجه سبابا علنيا ويشير إشارات بذيئة إلى الخارجين من النقابة، لكن أحدا لا يرد عليهم، لأن همّ مهنة الصحافة لا يمكن مقارنته بأي هموم أخرى.