«تاريخ الكويت»... في طبعة جديدة (2-3)

نشر في 12-05-2016
آخر تحديث 12-05-2016 | 00:01
 خليل علي حيدر هذا الشيخ متفرد في عصره، وهذا الكتاب عمدة في بابه". بهذه العبارة البليغة الجامعة بدأ الأديب الكويتي د. سليمان الشطي تقديمه لكتاب "تاريخ الكويت" لعبدالعزيز الرشيد في طبعته الرابعة التي تولاها حفيده الأستاذ خالد الرشيد، وأضاف د. الشطي مشيدا بمؤرخ الكويت الكبير: "هذا الرجل: الشيخ عبدالعزيز الرشيد (1887- 1938)، أخذ موقعه بين الرجال المتميزين، واستحق مكانته العالية باعتباره رائدا في كل المجالات التي وضع بصمته فيها، فهو المؤرخ الأول، والمصلح المتميز، والداعية الدؤوب. هو واحد من الرجال الذين إذا ظفر بمثلهم مجتمع من المجتمعات يصبح مجتمعا محظوظا، لأنهم لا يغادرونه حتى يتركوا أثرا باقيا ومؤثرا. ويحدثون تغييرا إيجابيا يشهد لهم بأنهم لم يمروا في هذه الدنيا عابرين ولكنهم صنّاع تقدم وبناة مجتمع".

وشاركه الإشادة بالعمل التاريخي أديب كويتي ومؤرخ ثقافي آخر هو د. خليفة الوقيان الذي افتتح كلامه بالقول إن كتاب الرشيد لا يزال "المصدر الأول والأهم للباحثين في تاريخ الكويت، على الرغم من مرور تسعة عقود منذ صدور الطبعة الأولى".

وأشاد الاثنان بجوانب كتاب "الرشيد" الأخرى الأدبية والسياسية، ذلك أن كتابه، يقول د. الشطي، "ليس كتاب حوليات أو تراجم متتابعة ولكنه نظرة واسعة الأفق"، بل هو في حقيقة الأمر، كما يرى د. الوقيان، "كتاب غير تقليدي، إذ لم يكثف بذكر الأحداث السياسية، أو تاريخ الحكام، بل سعى إلى التعريف بالكويت من جوانب عديدة".

ولم يكن الرشيد كما هو معروف من سيرته التي عرضها بالتفصيل الأديب د. يعقوب يوسف الحجي في كتاب آخر، مجرد مؤرخ، بل كان من الشخصيات النهضوية التي أبدعت وبرزت في ميادين أخرى كالصحافة والمسرح والتوجيه الإصلاحي والاجتماعي.

يقول د. الوقيان: "الشيخ عبدالعزيز الرشيد مصلح اجتماعي، وعالم دين مستنير، وقف في وجه الغلو في الدين، وجابه دعاة التزمت والجمود والعنف، الذين كانوا يأتون من خارج الكويت لترويج أفكارهم المخالفة لطبيعة المجتمع الكويتي، القائم على ثقافة التسامح، وقبول الآخر، والفهم الصحيح لمقاصد الشرع. وقد تعرض للأذى، غير أنه بقي صامدا، مدافعا عن قناعاته، ويبدو أنه كان ذا تأثير في معاصريه، الذين حملوا معه راية التنوير، وقادوا مسيرة النهضة".

لقد أشرنا إلى عمل د. يعقوب الحجي عن حياة الرشيد، وقد تناول د. الوقيان دور الرشيد وإسهاماته في كتابه المعروف عن الثقافة الكويتية، وما زلنا بحاجة إلى المزيد من البحث في حياته وفكره، وبخاصة أننا "فقدنا بعدم نشر القسم الثاني من تاريخ الكويت من جهة"، كما يقول د. الوقيان، "وتوقف مجلة الكويت عن الصدور من جهة ثانية مادة بالغة الأهمية. وقد يكون منع تداول القسم الأول من تاريخ الكويت من جهة والهجوم العنيف الذي تعرض له الشيخ عبدالعزيز من المتشددين من جهة أخرى، من أسباب توقفه عن إنجاز القسم الثاني ونشره".

 ويضيف د. الوقيان أن كتاب الرشيد بمثابة "المصدر الأساسي الذي وثق الصراع الفكري الذي كان قائما في مطلع القرن العشرين بين دعاة الإصلاح وممثلي التيار المتشدد المتزمت في فهم الدين، ومن المؤسف أن المصادر الأخرى لم تضف إلى ما ذكره الشيخ عبدالعزيز شيئا في مجال توثيق ذلك الصراع الفكري".

يفتتح الأستاذ خالد عبدالقادر الرشيد مقدمته للكتاب بشكوى مريرة من تجاهل دور عبدالعزيز الرشيد وعطائه فيقول:

"كاد أن يختفي اسم مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبدالعزيز أحمد الرشيد من معالم دولة الكويت الثقافية والاجتماعية، وتجاهلته العديد من مؤسسات الدولة وخاصة في المناهج الدراسية في وقت كان من الأحرى فيه على هذه المؤسسات إلقاء الضوء على حياة الشيخ عبدالعزيز الرشيد وإنجازاته المهمة، كي يعرف المواطن والمقيم والطالب الكويتي هذه الإنجازات التي ساهمت في النهضة الثقافية والتعليمية والأدبية في دولة الكويت، فالمعلومات عن الشيخ عبدالعزيز الرشيد شحيحة جدا في وطنه الكويت، فهل يعقل أن لا يمتلك وطن الشيخ عبدالعزيز الرشيد معلومات عنه نحن بحاجة إليها، بينما هناك دول أخرى تمتلك معلومات كثيرة عنه، وذلك كما لمسته من رحلاتي للتقصي والبحث عن معلومات تخدم هذا الكتاب".

ولا شك أن الجهة القادرة على دراسة هذه المطالب ومتابعة الموضوع وتجميع المعلومات والوثائق المطلوبة على أفضل وجه، هي "مركز البحوث والدراسات الكويتية" برئاسة الفاضل أ.د. عبدالله يوسف الغنيم، الذي سيولي هذا الأمر بلا شك أهمية قصوى. ولعل أبسط الأسئلة التي قد تثار تتعلق بمصير مكتبة المؤرخ وما كان بحوزته وفي مكتبته من كتب ووثائق ومسودات، وبخاصة إن كان يتعلق شيء منها بالأقسام التي لم تكتب من تاريخ الكويت، ولا أدري إن كانت بعض الندوات التاريخية الخليجية أو العربية تناولت حياة الرشيد ودوره، وما إذا كانت أي أوراق قد كتبت عنه، فنحن بحاجة إلى ما يمكن اعتباره "حصر بيبلوغرافي" في هذا المجال.

وفي مقدمة الكتاب، ص37، صورة وإهداء حار إلى "الزعيم التونسي الكبير الشيخ عبدالعزيز الثعالبي"، إقرارا بخدماته ودوره الثقافي في الكويت. ونعرف أن الرشيد قد درس في بغداد على يد الشيخ السلفي العراقي المشهور محمود شكري الآلوسي           (1856-1924) صاحب كتاب "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب"، وكانت للرشيد، كما تحدثنا في المقال السابق، علاقة وثيقة بالشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة "المنار". كما كان الرشيد على صلة بعشرات الآخرين من الشخصيات الكويتية والخليجية والعربية، فمن من هؤلاء كان الأشد تأثيراً فيه، وماذا أخذ من دراسته وعلاقاته؟ كان الرشيد من أوائل المثقفين الكويتيين، ومن دعاة الإصلاح الذي انتشرت الدعوة إليه منذ منتصف القرن التاسع عشر من العالم العربي، ومن متابعي الصحافة الدينية والتوعوية الجديدة كالمنار والهلال والمقتطف وغيرها، وكان أبرز الصحافيين والإعلاميين في زمنه، إلى جانب وظيفته كمؤرخ، وكان الرشيد في مجتمع صغير تعرف الناس فيه بعضها بسهولة، وتصعب فيه صياغة الأحكام التاريخية على الأشخاص المعاصرين والجماعات والأحداث.

ولم تخل حياة المؤرخ من تلاوين وتناقضات، فقد كان يعتبر نفسه نجديا حنبليا سلفيا، ولكنه لم يكن معارضا لقراءة الصحف وتعلم اللغات وتقبل النظريات العلمية في أصل المطر وربما كروية الأرض، وكان يدعو إلى تعليم المرأة ولكنه يعارض خروجها إلى المجتمع العام. وكان معارضا لبعض حقائق الحياة السياسية ومجريات الأمور في الكويت، ولكن كان حريصا على الموقف السلفي المتصالح مع ولاة الأمر والحرص على نصحهم في السر وعدم الإساءة إليهم علانية، وإن وجد نفسه مضطراً لأن يورد في كتابه تفاصيل ما فعله الشيخ مبارك بإخوته. وكان إصلاحياً معارضاً للتعصب والتشدد الديني يحاول الجمع بصعوبة بين السلفية النجدية ودعوات الإصلاح في مصر والشام والعراق، وقد نجح في الاحتفاظ بالعلاقة بمراكز السلفية، حيث تحول فيما بعد إلى داعية لها في إندونيسيا.

وكان مع ولاة الأمر في الدولة السلفية، ووقف ضد الإخوان في معركة "سبلة" التي حسمت مصير السلطة وحجمت نفوذ جماعة الإخوان في نجد بعد معركة أغسطس 1929، وانتصرت فيها الدولة السعودية.

وكان الرشيد قد "بدأ بكتابة المقالات ذات الصيغة السياسية، ومعظمها في تأييد الملك عبدالعزيز آل سعود ضد الإخوان في مواجهتهم معه".

وقال معلقاً على قصيدة للشاعر خالد الفرج يمدح فيها الملك عبدالعزيز آل سعود "بأن هناك حاجة كبيرة لبقاء الملك عبدالعزيز في الحكم، نظراً لأن شبه الجزيرة العربية في أشد الحاجة إلى حنكته وعزمه وحلمه". (الشيخ عبدالعزيز الرشيد، د. يعقوب الحجي، ص185-186)

وفي الصفحة نفسها يقول د. الحجي: "وحين تم انتصار الملك عبدالعزيز على الإخوان في حادثة السبلة، كتب الشيخ عبدالعزيز مقالة طويلة في مجلته عن هذه الحادثة، اتهم فيها الإخوان باللين والنصح، وأنه كان حريصاً على حقن دمائهم، لكنهم اضطروه إلى قتالهم لأن السياسة كانت تتطلب منه ذلك.

كما ذكر الفرحة التي عمت البحرين حين كان فيها بهذا النصر، وكيف أن هذا الانتصار "أراح الله به شبه الجزيرة من قلاقل لم تزل تعبث بالأمن والراحة فيها".

وفي مقالة أخرى له بعنوان "خضد شوكة الإخوان ومآل حركتهم" ذكر الشيخ عبدالعزيز خبر انتصار عبدالعزيز بن مساعد آل جلوي، أمير حائل، على قوة من الإخوان بقيادة عبدالعزيز بن فيصل الدويش في "أم ارخمة"، وأعرب عن فرحه بهذا الانتصار، ثم بيّن الرعاية التي أحاط الملك عبدالعزيز الإخوان بها، وسعة العيش التي وفرها لهم، وقارن بين حالتهم المعيشية آنذاك، وحالهم اليوم بعد أن شقوا عصا الطاعة عليه". (ص 186).

وللحديث صلة!

back to top