«تكنوقراط الصدر» يُنقذون العبادي والجبوري
ترقُّب لـ«الشوط الثاني» من التعديل الوزاري
لم يكن أحد يتخيل كيف سينتهي الانقسام الخطير في البرلمان العراقي حول شرعية رئاسته، ولم يكن السعي الأميركي والإيراني لتثبيت الرئيس القديم-الجديد، سليم الجبوري، كافيا لإقناع عشرات النواب الغاضبين، بعدم تعطيل جلسة البرلمان وحماية الشرعية الدستورية.لكن الضغط الكبير الذي سمح بذلك نتج عن زحف جماهير مقتدى الصدر التي ضاق بها قلب بغداد بسبب الأعداد الكبيرة، وتجمهرها أمام المنطقة الخضراء؛ حيث السفارات المهمة ومقرات الحكومة والبرلمان.
وتعود الأزمة الحالية إلى خلاف عميق حول التعديل الوزاري الذي أعلنه رئيس الحكومة حيدر العبادي، وواجه معارضة واسعة، ثم تسبب في أخطر انقسام تشهده القوى السياسية العراقية.وقد استخدم الصدر جمهوره عدة مرات خلال هذا الشهر باتجاهات متعاكسة، فمرةً استخدمه لإقالة الجبوري وطالب بإقالة العبادي نفسه، وعاد فاستخدمه ليضغط كي يعود الجبوري إلى منصبه ويمرر كابينة العبادي الجديدة التي تبناها الصدر! وقد بقي نواب التيار الصدري في موقف لا يحسدون عليه، فقد صوتوا "بحماس" لخلع رئيس البرلمان، ثم صوتوا ثانيةً لإعادة رئيس البرلمان إلى منصبه نهار الثلاثاء، دون أن يستطيعوا تجهيز مبرر واضح لانقلابهم، رغم أن الصدر تذرّع في هذا الإطار بأن رئيس الحكومة السابق نوري المالكي قام بمصادرة اعتصام النواب واستغلاله، ما أدى بالصدر إلى الانسحاب منه والعودة إلى التحالف مع العبادي.وتؤكد مصادر أن الصدر يشعر بالانتصار لأسباب كثيرة؛ أبرزها أنه استطاع التخلص من خصومه التقليديين مثل وزير التعليم حسين الشهرستاني، ونجح في إقحام بضعة وزراء تكنوقراط موالين لتياره، دون أن تستطيع المصادر هذه تحديد هويات هؤلاء الوزراء بنحو جازم.وقد حقق الصدر أهدافاً معنوية كبيرة، فهو من جهة ظهر أمام الجمهور بمظهر من استخدم المظاهرات السلمية تقريباً، لإدخال بضعة أسماء تكنوقراط ذات سمعة جيدة، في الحكومة، وظهر أمام واشنطن وطهران بمظهر المستعد للقيام بـ"مهمات مستحيلة" وتنسيق مواقفه حتى مع الأميركيين بشكل غير مباشر، إذ لم يكن أمام إدارة باراك أوباما سوى أن تراهن على الجموع المحتشدة لإجبار البرلمان على أن يعمل لإعادة الشرعية في لحظة كانت تهدد بظهور برلمانين وربما حكومتين على الطريقة الليبية، مع عناد المالكي ونوابه الأكثر شراسة في البرلمان، وإصرارهم على إقالة الجبوري والعبادي.ولم ينته دور الصدر بعد، فسيجب عليه أن يستعين بجمهوره مجدداً في جلسة البرلمان المقبلة المقررة الخميس، ليضغط من أجل تمرير نحو ٧ وزراء آخرين وإقالة الوزراء الأكراد الذين لا يود العبادي التورط معهم كي يحافظ على علاقة معقولة بكردستان، وسط أنباء عن استعداد الصدر للتعامل بمرونة نسبية إذا ضمن له حلفاء العبادي مزيداً من المكاسب في مواقع الدولة الأخرى خارج الحكومة، ما سبب اندهاش كثير من المراقبين أمام مستوى الجرأة الذي تتسلح به معظم الأطراف، التي تحاول التعامل مع أزمة مالية قد تصبح خانقة في أي لحظة وتستدعي أزمات أكبر في الصيف الذي حل مبكراً.