دأب الإيرانيون، والمقصود هنا أصحاب القرار لا الشعب الإيراني الطيب، في كل عام منذ نحو ثلاثين عاماً وأكثر وفي كل موسم حجٍّ، لا على افتعال مشكلة واحدة فحسب، بل الكثير من المشاكل لتحويل مناسبة روحانية يشارك فيها القادمون إلى هذا المكان المقدس إلى فوضى وإلى إسالة دماء وإلى نكدٍ وتباغض وإزهاق أرواح بريئة جاء أصحابها ليؤدوا فريضة إسلامية ويعودوا إلى بلدانهم سالمين!
كانت المملكة العربية السعودية، التي تتحمل سنوياً مسؤولية مئات الألوف من حجاج بيت الله الحرام، قد أعلنت، عندما جمَّدت أو قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد تمادي هذا النظام العدواني في إساءته لها وللعرب جميعهم والإيغال كثيراً في التدخل في الشؤون العربية الداخلية، أن هذه الإجراءات، التي اضطرت إليها تحت وطأة التحديات الإيرانية التي غدت لا تطاق، لا تشمل الحجاج الإيرانيين الذين ينطبق عليهم ما ينطبق على باقي المسلمين من ضيوف بيت الله الحرام، وذلك مع أن المعروف أنّ هناك تجارب سابقة لا تبعث على الاطمئنان وتستدعي الحذر الشديد، وبخاصة أن الأجواء السياسية في المنطقة ما كانت وصلت إلى كل هذا السوء الذي وصلت إليه.لكن المفاجآت، ربما غير المتوقعة، أن الردَّ على هذه "المكرمة" السعودية الآنفة الذكر كان بلجوء من يجلسون على المقاعد المرتفعة في طهران إلى التهديد والوعيد، مما جعل دولة تتحمل مسؤولية نحو مليون مسلم وأكثر في هذا الموسم من كل عام تتعامل مع هذه التهديدات بكل جدية وجعلها، أعانها الله، تأخذ في اعتبارها تلك الحكمة القائلة: "درء المفاسد أولى من جلب المنافع"، وتلوح بأنها قد تضطر، حماية لأرواح المسلمين وصيانة لدمائهم وتسهيلاً لأدائهم هذه الفريضة العظيمة، إلى منع الإيرانيين من الحج هذا العام، والمسؤولية هنا تقع على الذين أبدوا نوايا سيئة، لأن تجارب الماضي تدفع من يتحمل مسؤولية كل من يأتي إلى بيت الله الحرام إلى أن يتعامل مع هذه النوايا وهذه التلميحات والتهديدات بكل جدية.كان يجب تحييد الحج عن الصراعات السياسية، والمفترض أن المسلمين عندما يقفون بين يدي الله في يوم الحج الأكبر يكونون كلهم إخواناً وبلا أيّ ضغائن أو ثارات، وأن يتركوا المشاحنات هناك في العواصم التي حولتها بعض الأنظمة الطارئة إلى أوكار للتآمر وغُرف عمليات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة المجاورة وإلى حبك المؤامرات وإذكاء نيران الفتن بين المسلمين.وحقيقة أنَّ ما تفعله إيران الآن وبخاصة بالنسبة لنوايا تعكير صفو "الحج" في هذا العام وعلى غرار ما حدث في العام الماضي وفي أعوام أخرى سابقة لم يفعله إلاَّ "القرامطة"، الذين اعتدوا على الكعبة المشرفة، ومنعوا المسلمين من الوصول إلى بيت الله الحرام، وذلك في حين أن المفترض أنَّ "الأشقاء الإيرانيين" يستغلون هذه المناسبة للتصافي ووضع حدّ للخلافات التي افتعلوها مع "إخوانهم" العرب لدوافع سياسية مغلّفة بعوامل مذهبية من المفترض أنها تُستبعدُ نهائياً في هذه الظروف الخطيرة.
أخر كلام
كما فعل «القرامطة»!
18-05-2016