«مستر 5%!»
من بين القوانين الجديدة المقترحة لسد عجز الحكومة مالياً فرض ضريبة على تحويل رواتب المقيمين إلى بلادهم بنسبة 5%، وبالتأكيد فإن هذا المقترح سيثير زوبعة جديدة وغير مبررة على الإطلاق، ليس لأن مثل هذا القانون يفتقر إلى جدوى اقتصادية معتبرة، ولكن بسبب الضرر النفسي والمالي الذي قد يلحق بعشرات الآلاف من العمال المساكين ممن لا حول لهم ولا قوة، والأهم من ذلك فإن هذا المقترح قد يكون بمثابة مشروع فساد أخلاقي آخر في البلاد خصوصاً في أجواء انتشار ثقافة الفساد على مصراعيه.بداية إذا افترضنا أن معدل رواتب الوافدين في الكويت يتراوح بين 500 إلى 750 ديناراً شهرياً وهو رقم مبالغ فيه نظراً للعمالة الواسعة ذات الدخل المتواضع الذي لا يتجاوز 50 ديناراً في الشهر، فإن محصلة الدخل الشهري لقرابة 3 ملايين أجنبي قد يصل إلى 1.5 مليار فيكون حجم الاستقطاع على التحويلات 70 مليون دينار في الشهر، ويتضاعف هذا الرقم إلى 700 مليون دينار في السنة، الأمر الذي يبدو أنه رقم ضخم.
هذه القيمة المالية المضافة قد يحسن استخدامها إذا ما خصصت لمشاريع تنموية حقيقية أو بنى تحتية مهمة أو حتى تطوير خدمات المقيمين أنفسهم من سكن وعلاج، ولكن تجربتنا الكويتية لا تعكس مثل هذا التوجه على الإطلاق، ويكون رب العمل وهو المواطن الكويتي هو المسؤول عن دفع هذه الضريبة بشكل أو بآخر، في حين أن أسعار الخدمات التي يقدمها لنا الوافدون بدءاً بعمال المنازل ومروراً بـ"البنشرجي" والحلاق والخياط وصاحبة الكوافير والكهربائي وفني الأدوات الصحية ومعلم السيراميك وانتهاءً بالطبيب والمهندس سترتفع بمبالغ تفوق هذه النسبة، وينتهي الأمر بأن يكون المواطن البسيط هو من يدفع الثمن.الأخطر من ذلك فإن هذا المقترح سيخلق لنا مشكلة أخلاقية جديدة، وهي بروز ظاهرة تجار التحويلات، ولما كانت الكويت سباقة في استغلال البشر وموارد الدولة المالية والسياسة الحكومية هي راعية هذا الاستغلال من خلال الكيل بعشرين مكيالاً، فقد ظهرت عندنا مسميات غريبة وعجيبة مثل تجار الإقامات وتاجراتها، وتجار السلاح وتاجراته، وتجار الوكالات الأجنبية وتاجراتها، وهذه الفئة استفادت من عمولات الصفقات التي تبرمها الدولة مع الخارج سواءً في جلب العمالة الأجنبية أو المناقصات الحكومية أو توريد السلاح، فتم "لهف" نسب عالية من هذه التجارة وتحقق لها الثراء الفاحش والسريع.إن مبلغ 700 مليون دينار سنوياً أو أكثر أو أقل من رسوم أو ضريبة التحويلات المالية إلى الخارج قد تذهب إلى جيوب بعض المتنفذين، وقد تتسرب منها بضعة قروش إلى جيب المواطن العادي، حيث يتكفل هؤلاء بتحويل هذه الأموال بأسمائهم مقابل رسوم خاصة أقل من الضريبة الرسمية، وما أكثر الحيل والألاعيب والفراغ التشريعي في هذا الخصوص، ولا نستغرب من ظهور إعلانات تجارية تغازل الوافدين وتعلن استعدادها بتحويل أموالهم مقابل 1% أو 2% مع ابتسامة عريضة بالتأكيد تغري أي وافد، وتخرج الحكومة من المولد بلا حمّص من هذا المشروع، وإذا كانت الأمثال الكويتية لها دلالاتها ومصداقيتها فإن قانون الـ5% هو نموذج معاصر للمثل القائل: "مال البخيل ياكله العيار"!