تبّت يد «سناب شات»!

نشر في 19-05-2016
آخر تحديث 19-05-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري أشعر بحنق غامر على هذا التطبيق المسمى "سناب شات"!

هذا التطبيق ينسف تماما الغاية من الفن والأدب والعلم، ويخالف الهدف السامي لها، فالغاية من الإبداع في كل مجال من مجالات الحياة هو "الخلود"، للفن في شتى أشكاله وللأدب بمختلف أنواعه وللعلم في كل أفرعه الغاية نفسها والهدف ذاته وهو الخلود، خلود اللحظة أو خلود الفكرة، أو خلود الشعور والخبرة الإنسانية والمعرفية، فالتصوير مثلا جل مبتغاه أن يجعل اللقطة حاضنة لطراوة منظر، أو وجه، أو حدث، وحارسة له من الفناء مع الزمن، وكذلك الفن التشكيلي فابتسامة الموناليزا مازال سحرها يتحدى الزمن ويقاوم تغيراته، ومازال أبو الهول حيّا بتمثاله رغم تغيّر الأحداث حوله والحقب، والشِّعر بصورة ما هو اختراع إنساني لإبقاء لحظة الشعور طازجة في متناول القلب أبداً، إذ مازلت قصائد قيس بن الملوح تستفز غيوم الملح في مآقينا كلما قرأناها، والمتنبي مازالت كلماته قادرة على إثارة كرامتنا الإنسانية واعتزازنا وكبريائنا وكأنما قيلت للتوّ رغم أنها قيلت منذ مئات السنين، الخنساء مازالت مراثيها تفتح سجلات الفقد المنسية بين أضلعنا كلما نبشت أظافرها تحت صدورنا، وكذلك الحال مع العلم، فتخيّل لو أن أي اختراع ما أو اكتشاف يصبح في طي النسيان خلال ساعات معدودة من معرفته، لما كان لتراكم الخبرات المعرفية أي دور في تقدم الحياة الإنسانية وتطورها على هذه البسيطة، ولكننا حتى هذه اللحظة نستر عوراتنا بورق التوت، ونشعل النار عن طريق ضرب حجرين بعضهما ببعض، أو نأكل اللحم نيئاً! وتخيل لو أن هذه الإبداعات الإنسانية سُجّلت وحُفظت عن طريق التطبيق المدعو "بالسناب شات" لقامت يده (تبّت يده) بمسحها عن بكرة أبيها ولضاعت كل تلك الجهود وأصبحت هباءً ونسيا منسيّاً لا يتذكره أحد، ولا كان استفاد منه اللاحقون ولا تمتّعوا بما أنتجته تلك العقول المبدعة في سالف الزمان.

"سناب شات" لا يحترم الإبداع ويتعامل معه كالمناديل الورقية الصالحة للاستعمال مرة واحدة فقط ثم إلى سلّة المهملات، ويحوّل القمر والنجوم إلى أعواد ثقاب تشتعل لتنير لحظة ومن ثم تموت إلى الأبد، إنه بلا ذاكرة، كنا نشتكي نحن الذين عاصروا هذه الثورة التكنولوجية الحديثة بأننا سلّمنا ذاكراتنا لمنتجات هذه التكنولوجيا ولم نعد نعتمد على ذاكرتنا في حفظ ما هو عزيز لدينا، الآن ومع هذا التطبيق أصبحنا نسلّم ذاكراتنا لما لا ذاكرة له أصلاً!

لا أستطيع أن أخفي عجبي من هؤلاء الفرحين بهذا التطبيق والذين "يتَطاوَسُون" بأنهم من نجومه، إذ كيف يفخرون بما لا يحفظ لهم أثرا، ولا يبقي لهم فكرة تعيش، ولا يشاركهم تذكّر لحظة جميلة مروا بها، ولا يساعدهم على استعادتها؟!

هذا التطبيق ليس ضد الفن والجمال والأدب فحسب، بل ضد ما يضاعف أعمارنا لنعيش حياة أطول حتى بعد رحيلنا.

back to top