طوابير ممتدة على مد البصر من نساء ربات بيوت ورجال وأطفال حفرت الرثاثة لوحة البؤس على ملامحهم ينتظرون لساعات طويلة دورهم لدخول السوبر ماركت، وتنتقل الكاميرات داخل المتجر، لتبدو معظم الرفوف فارغة من الأغراض الأساسية، كالحليب والسمن والسكر، ولا يوجد إلا القليل من الجبن اليابس، لا يكاد يفي بحاجة المنتظرين.
المشهد السابق الذي نقلته وسائل الإعلام كان من فنزويلا، التي يستقر في جوف أرضها أعظم احتياطي نفطي في العالم، والتي كانت يوماً ما في سبعينيات القرن الماضي تحيا بحبوحة اقتصادية، امتدت لفترة من الزمن، ثم ليصل فيما بعد التضخم المالي فيها إلى أكثر من 700 في المئة، ثم أخذت الحكومة تطبع المزيد من البنكنوت، لتسكب الملح على الجرح... وانتهت الآن، بوصف الإيكونوميست، بمثل وضع زيمبابوي عام 2000 مع فارق الثقافة الكبير، الدولتان كانتا تحت حكم قائدين لهما شعبوية كبيرة، الراحل هوغو تشافيز بفنزويلا، ومغابي بالثانية، ودعا الاثنان للإصلاح والعدالة الاجتماعية أيضاً، فانتهت الأمور اليوم إلى مثل هذه الحال البائسة.الخطأ، في مثل حالة فنزويلا التي كانت ثرية مثل حالنا هنا بالكويت، هو ثقب الفساد الكبير بالجيب الاقتصادي للدولة، رغم كل ما يعرف عن انحياز الراحل تشافيز إلى جانب الفقراء في سياساته الاقتصادية، وتوفير الدعم الاقتصادي لهم.فتورد الجريدة السابقة مثالاً عن الإدارة حين كان يعمل 20 ألفاً من العمال في مؤسسة نفطية، وبقرار سريع تم الاستغناء عنهم مرة واحدة، ليحل مكانهم 100 ألف من العمال من غير أصحاب الكفاءة، بحكم قربهم من الحكم.ليست هذه مناسبة عرض الأخطاء القاتلة التي حدثت بالبلدين، في سباق الشعبويات وتغذية مشاعر الحماس الشبابي لمد "كاريزما" القيادة السياسية على حساب الواقع الاقتصادي، وإنما نتذكر هنا بالكويت فنزويلا، التي هي بطبيعتها وثقافة أهلها أفضل منا، لنعرف أن الفساد هو باب معظم الشرور، والعقبة الكبيرة لأي إصلاح اقتصادي، وأنه لمواجهة الأزمات الاقتصادية، مثل التي نواجهها الآن، لا تكون الحلول بالطبطبة على الأكتاف، ومسايرة أعضاء في مجلس التابعين ينتظرون معجزة من السماء لتغير أسعار النفط، وبقاء ما كان على ما كان، ولن تكون الحلول بوصفات مسكنة لمرض سرطاني متأصل في عظام الدولة خلق مجاميع الباحثين عن الدخل الريعي السهل وأفرز حلقات من الانتهازيين الفاسدين يتمددون بعرض الدولة وطولها يستفيدون من إدارة سيئة مستغلين يد قانون مشلولة في كثير من الأحيان.بكلام آخر عندنا الطريق أكثر من سالك كي نصل إلى حالة فنزويلا، وإن كنا لا نملك قدرة وصبر الفنزويليين، وهنا يصبح الوضع أسوأ وأكثر سوداوية.بغير إصرار إدارة سياسية تمتلك رؤية وعزيمة على إصلاح وضعها ووضع الناس، لا جدوى من أي كلام آخر، وما علينا من جوف مأساة الفكر السياسي الآن سوى مراقبة عبقريات بعض نواب البؤس في مجلس السلطة وهم يجابهون أزمة مصير الدولة بحل تطويري بمد سريان قانون منع الاختلاط بالتعليم! لنقل بكل حسرة "مالت على البامية أم السناسين".
أخر كلام
«مالت على البامية...»
05-05-2016