أثارت وما زالت القضية أو الفضيحة التي كشف النقاب عنها قبل مدة قصيرة والمعروفة إعلامياً باسم "وثائق بنما"، (عددها 11.5 مليون وثيقة تم تسريبها من سجلات شركة الاستشارات القانونية موساك فونيسكا)، جدلا واسعاً ونقاشاً حامياً في دول كثيرة حول طبيعتها وأسماء الشخصيات التي لها علاقة بها، وبعضهم قادة دوليون ومسؤولون وسياسيون وكبار أثرياء يملكون شركات عملاقة، يقومون بإخفاء أموالهم في مصارف مالية في جزيرة "بنما" لأنها لا تخضع لأي نظام ضريبي، وذلك من أجل التهرب من دفع الضرائب المستحقة في بلدانهم، وبعد نشر الوثائق قامت بعض الدول بفتح تحقيقات قضائية سريعة مع من وردت أسماؤهم، وبعضها بدأت في مساءلات سياسية لكبار المسؤولين.

Ad

أما الدافع من تسريب "وثائق بنما" كما جاء في بيان "جون دوي" وهو الشخص الذي قام بتسريبها للصحافة فهو "قضية المساواة في الدخل التي تعتبر من القضايا المصيرية في عصرنا... حيث إن المصارف وهيئات الضبط وسلطات الضرائب فشلت، والقرارات التي تتخذها تحمي الأثرياء، وتحكم قبضتها على المواطنين ذوي الدخل الضعيف والمتوسط". (صحيفة الشروق المصرية 7 مايو 2016). انتهى الاقتباس.

وموضوع التهرب من دفع الضرائب ليس بالجديد، فهو فساد مالي وأخلاقي لا يمارسه الأفراد فقط، بل تمارسه أيضاً شركات عالمية كبرى ويترتب عليه إثراء غير مشروع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اتهم تقرير حديث صادر بتاريخ 14 أبريل 2016 عن المنظمة البريطانية المعنية بمكافحة الفقر حول العالم (أوكسفام) "50 شركة أميركية عملاقة من ضمنها (شركة الأدوية بيفزر، وبنك غولدمان ساش، وشركة تجارة التجزئة (وول مارت)، وشركة أبل، وشركة جنرال إليكتريك، ومايكروسوفت) بأنها تخفي ما يقارب (1.4) ترليون دولار في الخارج بعيداً عن الضرائب، في الوقت الذي كان من الممكن أن تساهم الضرائب المُحصّلة من هذا المبلغ الضخم في محاربة الفقر وتحسين البنى التحية".

وإذا كان الأفراد أو الشركات يتهربون من دفع الضرائب في بلدان لديها أنظمة ضريبية فيضعون أموالهم في ملاذات أو "أوف شور"، فلماذا وردت أسماء شركات وأفراد من دول لا يوجد فيها أنظمة ضريبية متكاملة مثل دول مجلس التعاون الخليجي؟

هناك أكثر من احتمال، فالأموال توضع في ملاجئ ضريبية ليس للتهرب من دفع الضرائب فحسب، بل قد تكون أيضاً أموالاً غير مشروعة تم الحصول عليها عن طريق الرشوة أو السرقات واستغلال الوظيفة الرسمية، أو عن طريق تجارة مُجرّمة دولياً مثل تجارة المخدرات والبشر والسلاح وعمليات التهريب وغيرها، وتحتاج هذه الأموال إلى عملية تبييض (غسل الأموال) تقوم به شركات وهمية تخفي الأسماء الحقيقية ومصادر الأموال فتسجلها باسمها، ثم تقوم بتحويلها من مصدر إلى آخر ضمن شبكتها في "الملاذات الضريبية"، وبعد "الغسل" تعود لأصحابها وكأنها أموالٌ طبيعية يمكنهم استخدامها في بلدانهم. ومن المحتمل أيضاً أن يكون السبب هو الاستثمار السريع الربح في إدارة أموال وأصول الغير هناك، أو المساهمة والاستثمار في بنوك وشركات مالية عالمية يشمل عملها إنشاء شركات وهمية في ملاذات ضريبية، وهناك احتمال آخر وهو تسجيل أصول وأملاك عقارية يملكها أشخاص وشركات في دول أجنبية بأسماء شركات وهمية مقرها جزيرة "بنما"، وذلك كملجأ ضريبي للتهرب من دفع الضرائب المستحقة في الدول التي تقع فيها العقارات. هذه مجرد احتمالات وقد يكون هناك أكثر من سبب أيضاً فالعملية مُعقّدة ومُتشابِكة.  

وبحسب البيانات التي نشرتها صحيفة "الإنديبندنت" البريطانية بتاريخ 20 أبريل 2016، يوجد في الكويت (60) شركة لها علاقة بقضية "وثائق بنما" وهناك 15 عميلاً، و15 مستفيداً، و143 مساهماً، أفلا يستحق هذا الأمر فتح تحقيق، أو على الأقل، إصدار بيان توضيحي للرأي العام حول القضية مثلما حصل في بعض الدول؟