أسوأ ما في فيلم «اللي اختشوا ماتوا» أنه حاول التمسح في المثل الشعبي الشهير «اللي اختشوا ماتوا»، وأوحت دعايته، على لسان بطلته غادة عبد الرازق، وعلى غير الحقيقة، أن ثمة علاقة بين أحداثه، والقصة الشهيرة التي تحكي عن حريق شبّ في حمام تركي قديم كان مخصصاً للنساء، ما اضطر غالبيتهن إلى الهرب عاريات بينما رفض بعضهن خشية وحياء، وفضّلن الموت على الخروج، وقيل إن صاحب الحمام هاله ما رأى، ولما سأل الجمع: «هل مات أحد؟»، قيل له: «اللي استحوا ماتوا»!

Ad

ربما تخيل الكاتب محمد عبد الخالق أن تحصن سبع نساء في «بنسيون»، وتعرضهن لتحرش دائم من المجتمع، يمكن أن يكون معادلاً بصرياً لقصة النساء اللائي احترقن في الحمام الشعبي، لكنه معادل رديء وركيك، وتحرش فج بالموروث، خصوصاً أن شيئاً من الأحداث أو قصص البطلات السبعة لم يمثل عنصراً جاذباً من أي نوع. بل جاءت قصصهن تقليدية ومستهلكة، ومجرد اجترار لمشاهد ومواقف رأيناها آلاف المرات في أفلام سابقة، حيث الممرضة «ليل» (غادة عبد الرازق)، التي تبرعت بحياتها وأموالها للطبيب الشاب «خالد» (أحمد صفوت) لكنه غدر بها، والصعيدية «أمينة» (أميرة الشريف) التي خالفت عادات أهلها، وتزوجت من أحبت فحق عليها القتل، والكومبارس «عبير» (هيدي كرم) التي تعشق التمثيل لكنها ترفض أن تفرط في جسدها،  والشامية «ولاء» (مروى) التي فاتها قطار الزواج وتحاول اللحاق به بينما توشك «أسماء» (مروة عبد المنعم) على اللحاق به، وتعمل «كريمة» (عبير صبري) في مركز صحي هو في الحقيقة وكر للدعارة فيما تنعي الراقصة السابقة «صفية» (سلوى خطاب) ماضيها التليد، وزوجها الفقيد، وترى في «البنسيون»، الذي تديره، وتخصصه للسيدات فقط، فرصة للمشاركة، ونسيان الهموم!

من فاتته فرصة مشاهدة فيلم «اللي اختشوا ماتوا»، ومن لا يود رؤيته لسبب ما في نفسه، يكفيه الاستماع إلى أغنية «إحنا الحياة»، التي غنتها المطربة جنات، كنوع من الدعاية للفيلم، ليتعرف، من دون أن يغادر مكانه، إلى فكرته وقصته وأحداثه. الأغنية التي كتب كلماتها محمد البوغة ولحنها محمد يحيى ووزعها أحمد إبراهيم تقول: «إحنا اللي أقوى واحدة فينا مشكلتها في ضعفها... وإحنا اللي أضعف واحدة فينا فيها قوة ما تتحكيش... عيبنا وميزتنا إن فينا الحاجة وكمان عكسها... ساعات بيعمينا الطمع وساعات بنرضى يا دوب نعيش... إحنا الحياة لكن بتتعبنا الحياة وكتير بتكسر نفسنا... عايشين نداري في ضعفنا... لا طلنا قوة ولا طلنا ضعف... عايشين بنرقص على السلالم كلنا»... وهي كلمات تلخص أزمات البطلات، باستثناء «التوابل» المتمثلة في «الضابط» (إيهاب فهمي)، الذي يتحرش بنزيلات «البنسيون»، وكأن بينه وبينهن ثأراً دفيناً، وصاحب البوتيك «علاء» (محمد محمود عبد العزيز) الذي يدعي الأخلاق والفضيلة بينما هو مثال صارخ للوضاعة والدناءة والانحطاط!

هيأت حملة الدعاية للفيلم كثيرين للظن أنهم في صدد وجبة فنية شهية، غير أن النتيجة جاءت «كارثية» لأسباب كثيرة، على رأسها السيناريو المشوش الذي لم يتقن صاحبه توظيف «الفلاش باك»، والرسم الرديء للشخصيات الدرامية، والتقليدية التي تنضح بها المعالجة، فضلاً عن التخبط الذي ظهر عليه المخرج، وكأن العقد انفرط من بين يديه، فلا أداء يستحق التنويه، ولا تعاطف يُذكر، وعندما تبكي غادة عبد الرازق على طفلتها يُصبح هذا إيذاناً بالضحك. وعلى غرار أفلام «السبكية»، التي تربى المخرج إسماعيل فاروق في مدرستها، يفتعل المؤلف والمخرج مناسبة ساذجة لترقص النساء جميعاً، وتصبح فرصة للكاميرا (تصوير سامح سليم) لتستعرض مؤخرة هذه، وخصر وصدر تلك. وفي مناسبة أخرى أكثر فجاجة تطعن فيها إحدى البطلات التاجر الغليظ، وتتحول الشاشة إلى بركة من الدماء لدرجة أن القاتلة نفسها تتقيأ على جثة القتيل، وقيل إن الرقابة صنفته + 16 بسبب هذا المشهد!

«اللي اختشوا ماتوا» هو الفيلم الذي قالت عنه جنات: «عايشين بنرقص على السلالم كلنا»، يستوي في هذا مؤلفه ومخرجه وأبطاله وعناصره الفنية، فكل ما فيه مفتعل، ومصطنع، وملفق، ومزيف، ويرجع السبب، في رأيي، إلى أن أحداً لم يقطع شوط الجرأة إلى نهايته، وساد منطق»البين بين»، ومن ثم سقط الجميع في المنطقة الرمادية والتناقضات التي لا حد لها. فالفيلم يرصد صورة المخرج المنفذ (أحمد طه)، الذي يتلاعب بعاشقات الفن، وفي مشهد لاحق يستحضر صورة أخرى للمخرج الملتزم (محمد أبو داود)، الذي يقدم النموذج للمبدع المحترم، وفي حين تؤرقنا الفتاة الصعيدية التي تنتظر القتل في كل لحظة يفاجئنا الفيلم بمشهد كوميدي لشقيقها، وهو ينحني على جثتها قائلاً: «سامحيني يا بنت أبوي»... ومن مشهد إلى آخر تتوالى الفواجع الدرامية والفنية!