بينما تواجه محادثات الكويت صعوبات كثيرة، هناك خرق مستمر لوقف إطلاق النار في اليمن، وهناك عدم التزام بالهدنة المتفق عليها دولياً في سورية من قبل نظام بشار الأسد، وبالطبع من قبل حلفائه الروس ومن قبل وكلائه الإيرانيين، وهناك "معمعة" في العراق يختلط فيها الحابل بالنابل، سببها الذي لا جدال فيه ولا حوله هو تدخل إيران السافر الذي وصل إلى حد الاحتلال المباشر الذي عنوانه "الحشد الشعبي" و"عصائب الحق" وبعض رموز "حزب الدعوة"، وظهور جنرال حراس الثورة قاسم سليماني المستمر في بلاد الرافدين.

Ad

لقد أصبح "خرق وقف إطلاق النار" بالنسبة إلى البؤر المتوترة في هذه المنطقة مرادفاً لاسم إيران، فالإيرانيون مصرون على مواصلة تمددهم الاحتلالي في العراق وفي سورية واليمن، وأيضاً في لبنان بالاعتماد على جيوبهم العميلة، وأيضاً على الدعم الروسي الذي ما عاد من الممكن إنكاره أو التنصل منه، بعدما أصبح للروس كل هذا الوجود على الأراضي السورية.

وهكذا فإن إيران، التي آخر "هداياها" لنظام بشار الأسد لواء القوات الخاصة الخامس والستون والجسر الجوي وكذا الأرضي عبر العراق الذي لم يتوقف لحظة واحدة على مدى الأعوام الخمسة الماضية وقبل ذلك، هي من أطاح الهدنة المتفق عليها دولياً في سورية، وبالطبع بمشاركة روسية، وهي التي تضع العصي في دواليب مفاوضات الكويت، وهي سبب كل هذه الفوضى غير الخلاقة التي يعيشها العراق!

إننا نتمنى كل النجاح لمفاوضات الكويت، لأن الذين يقفون وراءها ورتبوا انعقادها أصحاب نوايا طيبة، لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار، في ضوء ما جرى وما قد يجري، هو أن الرياح في كثير من الأحيان تجري بما لا تشتهي السفن، وهو أنه إن لم تكن إيران حاضرة بممثلين مباشرين في هذه "المشاورات"، فإن المؤكد أن رأيها بقي حاضراً منذ اللحظة الأولى، ولذلك فقد حصل ما حصل وظهرت كل هذه العراقيل.

ربما هناك من يرى أن في هذا كله تحاملاً على إيران، ولذلك فإنه لابد من تأكيد أن أماني العرب، إن لم يكن كلهم فغالبيتهم، هي أن تكون العلاقات العربية مع هذه الدولة الشقيقة قائمة على حسن الجوار والمصالح المشتركة، وعلى تاريخ طويل كانت خلاله الثقافة واحدة والوجدان واحداً والإبداع الفكري متبادلاً.

إن هذا هو واقع الحال، وهو أن العلاقات بين الدول مثلها مثل الحب الذي لا يمكن أن يكون من طرف واحد، وهنا فإن ما يجب التذكير به هو أن فرحة العرب بانتصار الثورة الإيرانية كانت أكثر من فرحة الإيرانيين أنفسهم، وأن هناك من اعتقد في فبراير 1979 أن العمق العربي بالنسبة إلى القضية الفلسطينية قد تجاوز خراسان، وأن زمن الشاه محمد رضا بهلوي قد ولى ولن يعود، وأن هذه الدولة الشقيقة قد استعادت مكانتها كدولة شقيقة رديفة إلى الأبد، لكن هذا في حقيقة الأمر لم يحصل، فكان كل هذا التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين.