ستواجه القوة العسكرية العربية المشتركة في حال إنشائها تحديات أمنية عند مواجهة التحدي الإرهابي في ليبيا وشمال إفريقيا، لكن قدرات تلك القوة واتساعها، والتعاون الاستخباراتي المثمر بين الدول المنضوية فيها ستسهل الفوز في تلك المعركة، وستنشأ تحديات أخرى في مواجهة تلك القوة العسكرية.
في شهر مايو من العام الماضي تم إقرار آليات إنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة، بعدما قطع رؤساء أركان الجيوش العربية شوطاً كبيراً في مناقشة تفاصيل إنشائها، وتحديد مهامها، وتقدير موازنتها المالية، واقتراح تشكيلها وهيكلها التنظيمي.لكن مشروع إنشاء تلك القوة لم ير النور حتى الآن، رغم مرور عام تقريبا منذ إرساء آليات تشكيلها، ورغم تزايد المخاطر الأمنية والاستراتيجية التي تحيق بالدول العربية، وتزايد الحاجة إلى ضبط توازن القوى في المنطقة، بشكل يعزز المصالح الاستراتيجية للنظام الإقليمي العربي.سيرى البعض أن المنطقة متخمة بالتحالفات العسكرية، وأن إنشاء تحالف عسكري جديد يمكن أن يحد من فاعلية التحالفات القائمة، أو يضعفها، في وقت تنخرط فيه تلك التحالفات في مهام حيوية.تشهد المنطقة العربية عدداً كبيراً من التحالفات في هذه الآونة بالفعل، وهو الأمر الذي يعبر بوضوح عن حالة من حالات الخلل في توازن القوى، وزيادة الطلب على الأمن، في ظل استفحال التهديدات.فمع اندلاع الانتفاضات العربية في مطلع العقد الجاري، زادت حدة التدخلات الأجنبية والإقليمية، ونشأت أوضاع أقرب إلى الفوضى، وتعمقت هشاشة الدول والمجتمعات التي ضربتها الانتفاضات، مما أنتج حالة من عدم توازن القوى، وهي الحالة التي أغرت الفاعلين السياسيين بتعظيم مصالحهم وتأدية أدوار أوسع وأكثر تأثيراً.فمع اندلاع الانتفاضة في سورية في مارس من عام 2011، بدأت إرهاصات تكوين تحالف عسكري بين روسيا، وسورية، وإيران، وبعض الميليشيات العراقية والميليشيات اللبنانية.لقد استمر هذا التحالف في أداء الدور المرسوم له في محاولة لإحداث حالة من التوازن في القوة بين قدرات الجيش النظامي السوري من جانب والقوى المعارضة والثورية التي تستهدفه من جانب آخر.ويبدو أن هذا التحالف لم ينجح في حسم المعركة لمصلحة نظام بشار الأسد، لكنه في الوقت ذاته نجح في تجميد الأوضاع، وفرض منطق تفاوضي محدد على أوضاع التسوية المطروحة، وإيقاف الهزائم والتراجعات الميدانية، لكن بتكاليف كبيرة.على صعيد مواز، لم يكن من الممكن التصدي للتحدي الإرهابي الذي فرضه تنظيم "داعش" إلا من خلال عمل منسق بين عدد من الدول من داخل المنطقة وخارجها.وكاستجابة للتحدي الذي فرضه هذا التنظيم الإرهابي، سعت مجموعة من الدول من خارج المنطقة وداخلها إلى تكوين "تحالف دولي ضد داعش"، وهو التحالف الذي ضم نحو 20 دولة، وتم تدشينه في سبتمبر من عام 2013.وفي مارس من عام 2015، نجحت المملكة العربية السعودية، في تدشين تحالف عربي تحت اسم "عاصفة الحزم"، اعتمد على مشاركة فعالة من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة، وتسع دول أخرى، ضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وأنصار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. ولقد أنجز هذا التحالف نجاحات عسكرية، أدت إلى تغيير موازين الصراع السياسي على السلطة، قبل أن يتم إنهاء العملية، لتدشين عملية جديدة تحت اسم "إعادة الأمل"، في أبريل من عام 2015.وإضافة إلى تلك التحالفات التي تتفاعل في المنطقة، أعلنت السعودية أيضاً تدشين تحالف إسلامي ضد الإرهاب، في ديسمبر من عام 2015، وهو التحالف الذي حظي بإعلان 35 دولة إسلامية انضمامها إليه، إضافة إلى تأييد عشر دول إسلامية أخرى، لكن هذا التحالف لم يبدأ مهمته على الأرض حتى الآن. يتضح من استعراض كل تلك التحالفات أن بعضها يعمل في مواجهة الآخر من جانب، وأنها غير قادرة على النهوض بمهمة الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للنظام الإقليمي العربي كاملاً من جانب آخر.ولهذه الأسباب، تنشأ ضرورة حيوية لإحياء فكرة إنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة وتفعيلها، إذ إن دول الخليج العربية، وخصوصاً السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، تربطها علاقات استراتيجية قوية مع مصر، وتلك الأخيرة تمتلك القدرات البشرية واللوجستية والتسليحية الكافية لتكون نواة القوة العسكرية العربية الصلبة.وبموازاة ذلك سيمكن الاستفادة من القدرات الموجودة لدى القوات المسلحة في كل من الجزائر، وتونس، والمغرب، والتي تربطها ببقية الدول المشار إليها روابط قوية على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، والتي تشارك تلك الدول أيضاً الموقف ذاته إزاء القوى الإرهابية التي تنشط في المنطقة.سيمكن لتحالف بهذا الاتساع، وبهذه القدرة التسليحية والمالية واللوجستية والبشرية، أن يشكل قوة ضاربة قادرة على تصحيح الخلل في توازن القوى الذي تشهده المنطقة راهناً، وسيكون بمقدور القوة العسكرية العربية المشتركة آنذاك أن ترتب الأوضاع الأمنية المضطربة في ليبيا، خصوصاً أن دول القوة لديها علاقات وثيقة بمراكز القرار العالمي في ما يخص الموضوع الليبي، ومن الممكن أن تكون لقطر رؤى مختلفة إزاء ترتيب الأوضاع في ليبيا؛ وتلك الرؤى يمكن أيضاً أن تكون مستندة إلى دعم قوى إقليمية غير عربية مثل تركيا.يجب العمل على إقناع قطر بقبول السياسات الرامية إلى تعزيز دور الجيش الوطني الليبي، وترك مسألة اختيار نوع الحكم للشعب الليبي نفسه، ليقرر هوية حكامه من خلال الانتخابات، التي يمكن أن تسهم القوة العربية المشتركة في حمايتها وضمان نزاهتها، بالتعاون مع الأمم المتحدة، وحلفاء آخرين.ستواجه القوة العسكرية العربية المشتركة في حال إنشائها تحديات أمنية عند مواجهة التحدي الإرهابي في ليبيا وشمال إفريقيا، لكن قدرات تلك القوة واتساعها، والتعاون الاستخباراتي المثمر بين الدول المنضوية فيها ستسهل الفوز في تلك المعركة، وستنشأ تحديات أخرى في مواجهة القوة العسكرية العربية المشتركة؛ مثل الأوضاع في اليمن، حيث سيمكن أن تقوم تلك القوة بصناعة السلام وخلق مسار انتقالي يحظى بتوافق داخلي وخارجي، بسبب ما تتمتع به من اتساع وتوازن، وهو الأمر الذي سيشكل غطاء أفضل لتحركاتها الميدانية في الداخل اليمني.التحدي الأكبر الذي سيواجه القوة العسكرية العربية المشتركة سيكون في الملف السوري، ومواجهة "داعش" من جانب، وفي موازنة التهديد الاستراتيجي الإيراني من جانب آخر، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في مقال مقبل.* كاتب مصري
مقالات - زوايا ورؤى
أين القوة العربية المشتركة؟
08-05-2016