تدور حول مدينة حلب مأساة إنسانية محزنة، والمؤسف أنها ليست الأولى، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، سواء في حلب أو في غيرها من بقاع الأرض. استهداف المدنيين، وحصارهم وتجويعهم مستنكر ومرفوض، من كل الزوايا، دون "لكن"، و"حيث إن"، و"ربما". فالإنسان البريء، المدني، هو ذاته في كل مكان، بصرف النظر عن دينه، أو مذهبه، أو عرقه، أو ملته. إلا أن هذا المفهوم غير موجود عند الكثير من الأطراف المستنكرة أو الأطراف التي تستنكر الاستنكار.

Ad

سيتوقف غداً أو بعد غد نزيف الدم في حلب، باتفاق سياسي، ولكنه سينزف في مكان آخر. فأين نقف عندما يكون الدم النازف هو لفئة غير فئتنا، أو غير عرقنا، أو غير مذهبنا؟

سفك دماء الأبرياء والعدوان على المدنيين الأبرياء هو جزء من سلوك البشر المتكرر دون توقف، واستهداف المدنيين في الحروب هو مأساة تمشي على قدمين، ولهذه الأسباب نشأت القوانين الدولية للحد من غلواء السياسيين الذين يرون في قتل المدنيين الأبرياء أمراً لا يمكن تجنبه.

في الخمسة أشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية قتلت الولايات المتحدة عمداً، ومع سبق الإصرار والترصد حوالي ٩٠٠ ألف إنسان مدني ياباني، ليس لأنها كانت تخشى خسارتها الحرب، ولكنها كانت تريد كسب الحرب دون غزو الأراضي اليابانية.

يقول الجنرال الأميركي كيرتيس ليماي، المسؤول عن حملة القصف القاتلة تلك: "لو كنا خسرنا المعركة فإننا كنا جميعاً سنحاكم كمجرمي حرب".

واقع الأمر أن أميركا وتحالفها الغربي المتمدن انتصر في الحرب، وأقام محاكم نورمبرغ وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب، وهكذا كانت عدالة المنتصرين.

وعندما تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في ١٩٩٨ حاربتها ومازالت أميركا وإسرائيل، وأغلب الدول العربية، خلافاً للتوجه الدولي.

منذ أقل من شهر تنادى العالم بنشوة للدفاع عن البيئة، ووقعوا الاتفاقيات التي تترجم ذاك التنادي، وهو فعل محمود لا غبار عليه، ولكن هل هي ذات البيئة التي سيروي ترابها الصحي النظيف دماء الأبرياء والأطفال وضعفاء العالم؟ وهل سترتوي الأرض، أم ستقول هل من مزيد؟

ما لم يدرك الناس أن دم الأبرياء واحد دون تمييز فستتكرر مذابح وتسيل دماء كثيرة، ويكون الفرق فقط أين تقف في تبريرك لجريان الدم ذاك.