هل المحاولة والفشل أفضل من عدم المحاولة مطلقاً؟ إن كان هذا السؤال عن دور الولايات المتحدة في العالم، فلا شك أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة الرئاسية الديمقراطية الأبرز اليوم، ستنتقي الخيار الأول، فقد أخبرت مساعديها وكتبت في مذكراتها أنها تفضل «المحاولة والفشل» في السياسة الخارجية على ألا تحاول مطلقاً.

Ad

باختصار وربما في تناقض تام مع رب عملها السابق الرئيس باراك أوباما، كانت كلينتون أكثر ميلاً إلى العمل عند مواجهة الأزمات والتحديات في السياسة الخارجية.

لا تُعبر صورة الولايات المتحدة عن نفسها بصفتها «أمة إصلاح الأوضاع» من دون مبرر، فثمة حالات كثيرة ساهمت فيها الولايات المتحدة مساهمة كبيرة في إصلاح الأوضاع، فبالإضافة إلى دورها الرئيس في إنهاء الصراع المرير في أيرلندا الشمالية، ساهمت الولايات المتحدة في إرساء السلام ونشره في يوغوسلافيا سابقاً، كذلك يضم نصف القرن الماضي أمثلة كثيرة من هذا القبيل: يكفي أن نتأمل دور هذا البلد في أوروبا واليابان بين عامَي 1945 و1950، ودبلوماسيته المبتكرة في الصين، وتأديته دور الوسيط في معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، ودوره في إنهاء الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات، ونجاحه في إخراج صدام حسين من الكويت عام 1991.

لكن هذه تسم لحظات استثنائية حظيت خلالها الولايات المتحدة بالقادة، والنفوذ، والظروف، والشركاء المناسبين، مما أتاح لها تأدية هذه الأدوار البالغة الأهمية، ولكن في الكثير من الحالات الأخرى (مثل تدخلاتها في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط، السرية منها والعلنية، ودعمها حكاماً مستبدين عنيفين، أو محاولاتها المتكررة التأكيد لتأدية دور الوسيط في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين)، اتبعت الولايات المتحدة سلوكاً يعكس وجهة نظر خاطئة عن أن هذه الدولة تستطيع بطريقة ما فرض قيمها الخاصة على عالم يتوق لتبنيها.

تجلى هذا الخلل بوضوح تام في الشرق الأوسط، فستفضي الصراعات الحالية في هذه المنطقة المشتعلة، والمحطمة، والمتزعزعة على الأرجح إلى نتائج لا إلى حلول، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى أنها تتغذى بعوامل اجتماعية ودينية وسياسية داخلية يصعب (إن لم نقل يستحيل) على قوى خارجية إصلاحها، مع أن قوى خارجية تساهم في استمرار القتال. نتيجة لذلك يحفل الشرق الأوسط اليوم بالكثير من الأفكار المحطمة والخاطئة عن قوى عظمى ظنت أنها تستطيع فرض مشيئتها على قبائل صغيرة، وإصلاح الثقافات السياسية المحلية أو تغييرها، أو حل الصراعات الطائفية والسياسية التي تُبتلى بها المنطقة منذ عقود.

لكن الوقائع تُظهر أن الولايات المتحدة لا تستطيع تحقيق الانتصار في الشرق الأوسط، سواء كانت إدارتها ميالة إلى العمل، كما حدث في العراق وليبيا، أو إلى الوقوف على الهامش كما رأينا مع رد فعل إدارة أوباما خلال سنوات الصراع الأولى في سورية، ولخّص فيليب غوردون، مساعد أوباما الخاص السابق لشؤون المنطقة، أخيراً تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قائلاً: «تدخلت الولايات المتحدة في العراق واحتلته، فكانت النتيجة كارثة باهظة الثمن. وفي ليبيا، تدخلت الولايات المتحدة، إلا أنها لم تحتلّ هذا البلد، فكانت النتيجة أيضاً كارثة باهظة الثمن. أما في سورية فامتنعت الولايات المتحدة عن التدخل أو الاحتلال، فكانت النتيجة مرة أخرى كارثة باهظة الثمن». إذاً، بخلاف مكانة الولايات المتحدة المزعومة كـ»أمة لا غنى عنها»، كان بإمكان العالم تحقيق نتائج جيدة من دون السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة في هذه المسائل.

إذاً، إن لم يكن الحل إحجام أوباما أو حماسة كلينتون للعمل، فما هو؟ أتمنى لو أن الجواب سهل، ولو أننا نملك وصفةً سحرية بسيطة، مثل «لا تقدِم على خطوات غبية» من ناحية أو «لا تحاول وتفشل» من ناحية أخرى، وصفةً تعتمد عليها الولايات المتحدة فيما تحاول المضي قدماً في عالم قاسٍ لا يرحم، ولكن لا وجود لوصفة مماثلة.

أود أن أقترح بكل تواضع أن يطرح المرشحون الرئاسيون، خلال إعدادهم برنامجهم في مجال السياسة الخارجية، أسئلة أساسية أربعة بغية تحديد متى يكون العمل ملائماً، وخصوصاً عندما يكون احتمال اللجوء إلى القوة العسكرية مطروحاً. أولاً، هل يجب أن تقوم الولايات المتحدة بذلك؟ أي: ما الأهداف التي يسعى صانعو السياسات إلى تحقيقها؟ ولمَ يسعون إليها؟ ثانياً، هل تستطيع الولايات المتحدة القيام بذلك؟ وهل تلائم الوسيلة الغاية؟ ثالثاً، ما الكلفة المحتملة، بما فيها الكلفة غير المادية مثل التداعيات الثانوية لرفع التوقعات؟ وأخيراً، هل الولايات المتحدة مستعدة للاستمرار في هذا العمل إلى النهاية، حتى لو تطلب عقداً من الزمن؟ لا شك أن هذه الأسئلة لا تضمن النجاح، إلا أن التأمل فيها بعمق قد يحد من احتمال الفشل.

لا شك أن للولايات المتحدة تأثيراً كبيراً، وإن أراد قادتها محاولة العمل، فمن الضروري المحاولة بذكاء، فهذا أفضل بكثير من محاولة العمل بغباء.

* آرون ديفيد ميلر | Aaron David Miller