«هيبتا»
«هيبتا» في اللغة اليونانية تعني الرقم 7، وفي رأي المحاضر الشهير د. «شكري مختار» (ماجد الكدواني) رمز الكمال، فالسماوات سبع، والله خلق الكون في 7 أيام ثم استوى على العرش، ومن ثم اختارها محوراً لـ «المحاضرة الأخيرة»، التي ألقاها في الجامعة، وتحدث فيها عن المراحل السبع للحب، مستعرضاً قصص أربعة أبطال هم: الطفل «شادي»، المريض «كريم» (أحمد مالك)، الرسام «رامي» (أحمد داود) والمُحبط «يوسف» (عمرو يوسف)، الذين تُشكل الحروف الأولى من أسمائهم اسم «شكري» نفسه، وتقودنا مبكراً إلى استشعار أن كل ما رأيناه على الشاشة هو تنويعة على حكاية «شكري» أو تلخيصاً لرحلته الحياتية.للوهلة الأولى يُذكرك «شكري» بإطلالته، وأسلوبه، بهيئة وأسلوب د. إبراهيم الفقيه، أستاذ التنمية البشرية، الذي اعتاد وغيره من أساتذة هذا العلم، منطقة الأشياء، وهندسة سلوكيات البشر، بشكل لا يترك مكاناً لعواطفهم ومشاعرهم، وفي هذه النقطة تحديداً تكمن أزمة فيلم «هيبتا... المحاضرة الأخيرة». فالنصيحة التقليدية التي تقول إن: «الحب أسمى معاني الوجود» واجتهاده في التوصل إلى فلسفة تؤمن أن «الحياة حلوة إذا ما نجحنا في توزيع ساعات الحب على دقائق عمرنا»، توحي بأن ثمة نظريات للحب، وقواعد للعشق، وهو ما يتناقض مع المشاعر التي لا يمكن حسابها، والعواطف التي تفرض نفسها بغتة. فالمراحل التي مرّ بها «شكري» في حياته، وأوجزها في: البداية، السعادة، الجنون، الحلم، الوعد، الحقيقة والمقاومة، لا يمكن اعتبارها الأنموذج المثالي لما يُسمى «قواعد العشق السبع»، التي ينبغي على كل إنسان أن يعيشها!
مغامرة خطرة، كخطورة الإفراط في استخدام «الفلاش باك»، تلك التي لجأ إليها كاتب السيناريو في اختيار لغة سرد تبدأ بمحاضرة طويلة تتخللها قصص الأبطال، الذين حاول الفيلم الإيحاء بتقاطع مصائرهم، فضلاً عن «السيمترية» التي استهدفها، وعجز عن الوصول إليها، فثمة قصص جرى اختصارها، وكأنها ابتسرت (علاقة «كريم» و»دينا» - جميلة عوض- ثم الطفلان «شادي» و»مروة») مقارنة بأخرى حظيت باهتمام ملحوظ (علاقة «رامي» و»علا» - دينا الشربيني – كذلك «يوسف» و»رؤى» - ياسمين رئيس)، وهو ما أدى إلى تميز شخصيات على حساب أخرى، فالسحر أطلّ من ثنايا العلاقة التي اكتنفها غموض جميل بين «يوسف» و»رؤى»، التي خيل لنا أنها «جنية» أو «نداهة» ليس لها وجود إلا في الذهن المضطرب للبطل الذي فقد طفلته، وانفصل عن زوجته، واستعاد نفسه مع «رؤى»، التي تشجعت وصارحته بتعرضها للاغتصاب، وغفر ثم فرح لأنها حملت منه. والحال نفسها في علاقة «رامي» و»علا»، التي وقعت في غرامه من أول نظرة، وتركت خطيبها لأجله، بعد أن سحرها بتمكنه من قراءة شخصيتها، وأدهشها بالتوصل إلى أسرارها من دون أن يراها!هذا السحر المثير، الذي برع المخرج هادي الباجوري في تجسيده على الشاشة، خصوصاً مشاهد السطوح، افتقدناه في علاقة «كريم» و»دينا»، رغم المشاعر الدافئة، ربما لأن قصة حبهما لم تخرج عن الأطر العادية لقصص المراهقين، واحتل التعاطف جانباً كبيراً منها، كونه مريضاً بورم في العمود الفقري. وجاءت شخصية «عبد الحميد» (أحمد بدير) المريض بالسرطان نزيل الحجرة المجاورة، وكأنها محاولة لدعم هذا الخط الدرامي، وهو ما تكرر في علاقة الحب بين الطفلين «شادي» و»مروة»، كأنها تحصيل حاصل، وأرهقت الخلافات الزوجية بين أمه (كندة علوش) وأبيه (هاني عادل) كاهل الفيلم (مونتاج أحمد حافظ)، وإن كان انتحار الأم، وزواج الأب بعدها، سبباً في تدمير «شادي» وحبه! إذا كانت ثمة آفة لهذا الفيلم فتكمن في «التلقين»، ومحاولة تقديم «باترون» لا ينبغي أن نحيد عنه، لكنه – في الجانب الآخر – يملك جاذبية لا تُنكر، سواء على صعيد أسلوب السرد ولغة الحوار والنهاية التي أكدت أن «شكري» هو حاصل جمع كل الأبطال، الذين وجدنا أيقوناتهم المميزة في شقته التي ورثها عن أبيه (كرسي «شادي» / حرف «R} في سلسلة المفاتيح/ لوحات {رامي} والشرفة المُطلة على سطوح {رؤى}). أما على صعيد الأداء التمثيلي فالتميز كان من نصيب ماجد الكدواني الذي أثرى الشخصية الجافة، وياسمين رئيس التي توحدت مع {رؤى}، وعمرو يوسف الذي أمسك بتلابيب {يوسف} شكلاً ومضموناً، وأحمد داود الذي يزداد نضجاً من تجربة إلى أخرى، ومعهم جميعاً تألقت دينا الشربيني في مشهد {الواتس آب} بينها وأحمد داود، وعبرت عن تناقضات مشاعرها بانضباط تُحسد عليه، وهناك، أيضاً، التوظيف الرائع لأغاني فيروز، ولضيوف الشرف: أحمد بدير، شيرين رضا، نيللي كريم وسلوى محمد علي، واختيار أماكن التصوير، وجمالها (كاميرا جمال البوشي). لكن نجاح الفيلم، وتحقيقه إيرادات غير مسبوقة، لا يمكن أن يُصبح سبباً في اعتبار {هيبتا... المحاضرة الأخيرة} نقطة تحول في تاريخ السينما المصرية، وعودة إلى الفيلم الرومانسي، وإلى التزاوج بين السينما والرواية، فالحكم على هذا ما زال مبكراً للغاية!