الفنان مصطفى الرزاز: الحصان العربي خامة طيعة للتشكيل

نشر في 06-05-2016 | 00:01
آخر تحديث 06-05-2016 | 00:01
التشكيلي المصري الدكتور مصطفى الرزاز هو عقل التربية الفنية في مصر، كما يطلق عليه تلامذته، والفنان الشامل الذي جمع بين العمل الإداري والفني فأثبت جدارة في مناصبه التي تبوأها والتي لا تقل عن قرينتها التي أثبتها عبر رحلته الفنية التي تنوعت بين الرسم والتصوير وفن الخزف، فضلاً عن الكتابة الفنية. «الجريدة» التقته على هامش معرضه الأخير «طيف الفرس».
كيف تبلورت لديك فكرة معرضك الأخير «طيف الفرس»؟

خلال إعدادي كتاباً عن الفن الإسلامي، كنت أبحث في بعض المخطوطات في دار الكتب، كان من ضمنها كتاب «البيطرة» وآخر إيراني مترجم عن العربية بعنوان «فرس ناما» كتبه البيطار في بلاط أحد السلاطين، ويقدم دراسة مهمة عبارة عن 130 رسماً لخيول مختلفة تتضمن رسماً ووصفاً لكل حصان. أذهلني مدى التنوع والوعي في الخيول، ومن هنا جاءت الفكرة. في الوقت ذاته، كنت مشغولاً بالكتابة عن رأى المتصوفة في نظرية الجمال لدى المسلمين، وكنت أرسم عناصر أساسية مثل الطيور والنبات والمرأة والحيوان باعتبارها أمثلة للنماذج الحقيقية.

عموماً، أرسم الخيل منذ أكثر من نصف قرن، لديَّ خبرة حياتية، وما شغلني خلال الرسم ألا أكرر نفسي كي لا أسقط كفنان، فكنت أستمتع عندما أرسم وأجد عناصر جديدة تتوالد، فما زالت لديَّ خميرة  إبداعية جديدة.

لماذا حمل المعرض عنوان «طيف الفرس»؟

عندما تمعنت بقراءة كتاب «فرس ناما» تأثرت به، ومع انشغالي بكلام الفلاسفة وجدت تأثيراً لها في العمل، فالخيول في المعرض ليست بدرجة الوضوح والبطولة مثل نظيرتها في المعارض السابقة، ورغم تصدر الخيل في اللوحة ولكن ليس له وجود مادي كبير وكأنه شبح أو وهم، لذا عنونت المعرض «طيف الفرس»، ولأن المتصوفة يستخدمون كلمة طيف كثيراً لإن جزءاً كبيراً من خيالهم يكمن في التحرر من الوجود المادي، وجدت أن العمل جاء على هذا النحو من دون افتعال.

ازدحمت قاعة العرض بالأعمال، الأمر الذي ربما شكل تشويشاً بصرياً لدى المتلقي؟

ليست لديَّ قدرة على الحكم على أعمالي، لذا أرتكن إلى أحد الزملاء للإشراف ومسؤولية ترتيب المعرض وتعليق اللوحات، فأعاد إلي 25 لوحة من المنحوتات المقرر عرضها إلى المرسم، ومع هذا كانت القاعة مزدحمة. ولكني أرى أن الازدحام لم يكن بدرجة الاستفزاز، فطبيعة القاعة تسمح بهذا العرض لأنها عبارة عن غرف متعددة.

لماذا لم تكتف بالتصوير وتركت النحت لمعرض آخر؟

وماذا يتبقى من عمري كي أقدم معرضاً آخر للنحت. منذ كنت في العشرينيات تملكتني فوبيا التوقف عن الرسم. كنت حضرت اجتماعاً للراحل ثروت عكاشة عام 1966 في الغرفة التجارية مع زميلي الدكتور فرغلي عبد الحفيظ، واكتشفنا أن ثمة فنانين كباراً توقفوا عن الرسم. تملكني حينها وسواس وخوف من التوقف عن الرسم. كنت كلما جمعت مجموعة أعمال أقدمها في معرض حتى لو لم تصل إلى الدرجة التي أريدها. كان هذا بمثابة حرق لطاقة ما حتى أستعيد العمل. كان نوعاً من العلاج النفسي. احتاج إلى العمل ولا أدخر الأعمال. لو كنت صنعت 25 تمثالاً مثل التي عرضتها لكنت ارتكنت إليها ولم أفكر في عمل جديد، ولكني اعتمدت راهناً على أنني عرضت هذه الأعمال، من ثم أفكر في نحت تماثيل جديدة، بمعنى أنني أبحث عن دافع لي للعمل.

جديد وأسطورة

بعد «طيف الفرس»، ما الجديد؟

بدأت أرسم مجموعة جديدة ولكني لست متأكداً مما إذا كات ستكون للمعرض المقبل. إلا أنني أخذت تيمة عروسة البحر، وكنت رسمت لها أعمالاً في الستينيات ثم توقفت عنها، ولكن عدت للتفكير في صناعة تماثيل ولوحات، وعندما ذهبت إلى الساحل الشمالي قريباً وجدت نفسي أمام البحر فرسمت عروسة البحر وكأنها خرجت وتمر بين الأشجار. ولديَّ رصيد هائل من الدراسات يصلح بعضها كتماثيل والآخر كلوحات.

ما سر ولعك بالأسطورة والحس الشعبي الذي يطغى على كثير من معارضك؟

كان أستاذي رائد الفن الشعبي في مصر سعد الخادم فتشربت هذا الولع منه. كنت دائماً أدرس الفنون الشعبية والإسلامية لاكتشاف أمور لم تكتمل ذروة ازدهارها ومحاولة استكمالها. كنت أرسم عن السد العالي والنوبة. كذلك الفن الإسلامي عالق في ذهني، لذا رسمت دراسة لما يسمى بـ {شبابيك القلل الإسلامية}، وتعلمت علاقة الشكل بالفراغ من خلال الدراسة، ثم درست من الخط العربي على شواهد القبور الملكية التي يُكتب عليها، ودرست الفراغ الذي بين الحروف نفسها لأجد لها أشكالا جميلة ولكنها ليست كتابة. كذلك كونت عناصر خاصة بي استخرجتها من الفن الإسلامي. عندما أتعلم جديداً أكتسب رؤية تنعكس على أدائي ولوحاتي.

كونت {جماعة المحور} بمشاركة كل من الدكتور أحمد نوار وفرغلي عبد الحفيظ والراحل عبد الرحمن النشار، ماذا كان الدافع لإنشائها ولماذا لم يكتب لها الاستمرار؟

قبل سفري إلى الولايات المتحدة الأميركية للحصول على الدكتوراه عام 1979، كنا نلتقي كمجموعة كل يوم خميس عند فنان في مرسمه ونتحدث في السياسة والفن والأدب بحضور أدباء. كان ذلك بمثابة صالون ثقافي. وبعد عودتي من السفر، تواصلت مع كل من أحمد نوار وعبد الرحمن النشار وفرغلي عبد الحفيظ، وأسسنا جماعة المحور. في المقدمة الأولى، ذكرنا بأننا نريد إعطاء مثال للشباب بعمل مشروع ضخم من دون أي عائد مادي، للتأكيد أن الفنان يمكن أن يضحي حتى بما يملك من دون انتظار مقابل. قدمنا المعرض الأول، وكانت المرة الأولى في الحركة الفنية المصرية التي تُطرح فيها أفكار {ما بعد الحداثة في الفن} بأسلوب مصري. كانت تجربة مهمة في زرع اتجاهات وأساليب جديدة في الفن. بعد ذلك، عندما ساهمنا في التأسيس لصالون الشباب كانت المجموعة مفتاحاً للتعبير عن أنفسنا وأفكارنا الاجتماعية والتأكيد أن الفن يبني المستقبل. ولكن مع انتفاء الدافعية توقفت الجماعة.

أرى أن فترة ما بعد الافتتاح كانت مدمرة للثقافة المصرية، وتحولت منظومة القيم الإنسانية إلى منظومة للنهب والوساطة والسمسرة، وكل فرد صار يريد أن يعمل بمفرده، وواجهنا معايير جديدة مرتبكة لا تسمح بحكايات الجماعات الفنية.

فريد الرزاز في سطور

الفنان مصطفى فريد الرزاز (1942) أحد رواد الفن التشكيلي في مصر، وهو عضو جمعية محبي الفنون الجميلة وعضو نقابة الفنانين التشكيليين وعضو مؤسسة الاتحاد العالمي لنقاد الفن {الأيكا}. له أكثر من 40 معرضاً خاصاً، إضافة إلى المعارض الجماعية والدولية، وله عشرات البحوث والدراسات عن الفن والفنانين والتراث والقضايا الثقافية، وشغل مناصب عدة من بينها: عميد كلية التربية النوعية بالدقي سابقاً، ورئيس الجمعية المصرية للفنون الشعبية، ورئيس لجنة تطوير مناهج التربية الفنية، ورئيس تحرير مجلة فنون تشكيلية، ورئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة الهيئة العامة لقصور الثقافة...

back to top