إذا سلمنا جدلاً أن ثمة مؤامرة تستهدف إقصاء بعض الأفلام بعيداً عن صالات العرض التجارية، كونها تمثل معادلة إنتاجية مختلفة، ولا تخضع لهيمنة الحفنة التي تتحكم في مقدرات صناعة السينما المصرية، من منتجين وموزعين وأصحاب دور عرض، فإن وجود واستمرار وتربع نوعية من الأفلام، مثل «كنغر حبنا»، رغم سطحيتها وركاكتها وسذاجتها، يعني، في المقابل، أن بعض الأفلام يفرض نفسه بوسائل عدة أهمها السطوة والاحتكار، ولا علاقة له بالحبكة والحرفة وتوافر الحد الأدنى من الإبداع!
يبدأ «كنغر حبنا» بموسيقى صاخبة، ومزعجة (عمرو إسماعيل)، وحارة تنطق بالزيف (ديكور إسلام يوسف) وتلفيق درامي صارخ (تأليف لؤي السيد) يُداهم فيه «توك توك» غرفة نوم «خالد» (رامز جلال)، الذي نعرف أنه يعمل في شركة شحن، ويعيش مع أمه (أنعام سالوسة) التي يُخيل إليك أنها جدته للفارق الشاسع في العمر بينهما، وترغب في تزويجه «زواج صالونات». وكما فعل رامز جلال في بداياته يتحول «إدوارد» إلى صديق البطل، الذي يتولى تأمين قصر يملكه أمير خليجي (داود حسين) في القاهرة، في حين يضطر «خالد» إلى تنفيذ تعليمات «نيازي» (حسن حسني) مدير الشركة باستلام شحنة من قرية البضائع بالمطار، وتوصيلها إلى «فلوباتير» (لطفي لبيب) الذي يملك غاليري للقطع الفنية. غير أن بطلنا يفاجأ أن الشحنة عبارة عن «كنغرين» صغيرين جاءا من أستراليا، وذهبا بالخطأ إلى «فلوباتير»، الذي كان ينتظر تمثالين أخطأت الشركة وقامت بتوصيلهما إلى «شوقي الضبع» (بيومي فؤاد) الذي أبرم صفقة شيطانية لتوريد الحيوانين إلى السيرك!مفارقة مثيرة كان بالإمكان أن تقودنا إلى مواقف كوميدية صارخة لولا الافتعال، والتلفيق، ولي ذراع الدراما بشكل لا يحتمل، فالعيد على الأبواب وقرية البضائع ترفض استعادة الحيوانين، كذلك حديقة الحيوان التي لا ترحب باستضافتهما، ما يضطر «خالد» إلى العودة بهما إلى منزله بكل ما يعنيه هذا من فوضى عمت الحارة ثم انتقلت إلى البيت، حيث الأم التي تعاني ضعفاً في نظرها يصور لها أن «الكنغر» خروف العيد. ومن دون مبرر يأخذ «خالد» الحيوانين إلى قصر الأمير، الذي يصل فجأة مع ابنه «زبيب» الذي لا يبتسم منذ وفاة أمه، وتتكرر المواقف السذاجة التي لا تُضحك أحداً سوى «رامز جلال» وصحبته!أين مدير الشركة؟ وكيف تمضي الأحداث بعدما وصلت إلى نقطة الذروة ولم يعد هناك جديد؟سؤال أجاب عنه المؤلف، ومعه أحمد البدري الذي اشتهر بإخراج أفلام المقاولات، بمزيد من الصنعة والارتباك والتلفيق والشخصيات الزائدة، التي أطلق عليها «ضيوف الشرف»، فالمدير «نيازي» سافر مع زوجته «تهاني» (هياتم) وحفيديه للاستجمام، وهناك يسقط هاتفه في البحر، ومن ثم يعجز «خالد» عن الاتصال به، ويحتدم الصراع بين «الضبع» و»فلوباتير» لاستعادة الصفقتين. وعلى غير توقع، نكتشف أن «الضبع» ينكل بالحيوانات، ويُلقي بها في التهلكة، حيث التعذيب والتجويع بواسطة القيمون على السيرك، وهي الحقيقة التي تكشف عنها «رانيا» (سارة سلامة) طبيبة الحجر الصحي، وعضو جمعية الرفق بالحيوان، التي تؤكد انتماء «الكنغرين» إلى سلالة نادرة، وأنهما سُرقا من محمية طبيعية، وتسعى إلى إقناع «خالد»، الذي تُعجب بتلحينه، وامتلاكه أورغاً وغيتاراً، وتتعجب لكونه يعمل في شركة شحن وهو خريج كلية التربية الموسيقية، بضرورة إنقاذهما من براثن «الضبع» (لاحظ مغزى الاسم). ومرة أخرى، وبعد الإساءة إلى الأفارقة في فيلم «مراتي وزوجتي»، يتورط رامز جلال، في تحقير البدو، وتصويرهم في ثياب الأشرار والبلطجية الذين يقومون بالخطف، ويتاجرون في السلاح، وتبلغ الفبركة ذروتها بتدخل «أبو زبيب» لإنقاذ «خالد» من السجن بتهمة تبديد العهدة، وحجة المؤلف في ذلك أن «الكنغر» أعاد الضحكة إلى وجه ابنه، وعلى عكس المنطق يُسدد مئة ألف جنيه للشرير «الضبع» لتحرير الحيوانين، وإعادتهما إلى موطنهما، وكأن الفيلم يُقنن البلطجة والسرقة والنصب، خصوصاً أن ذلك تم في حضور وبرعاية ضابط الشرطة الذي لم يفكر في اعتقال «الضبع» أو مسه بسوء!«كنغر حبنا» أنموذج للأفلام التي لا تدري لم صنعت وكيف وما الأسباب التي تدعو منتج إلى تمويلها؟ فالفكرة تُقدم في نصف ساعة على أكثر تقدير، والاستعانة بموسيقى الفك المفترس تعكس فقراً وضحالة من المخرج بينما استمرار الموسيقى التصويرية من دون توقف أو فرصة لالتقاط الأنفاس عجز وإفلاس، والأداء التمثيلي في أسوأ حالاته، بسبب ضعف المخرج، وهزال إمكاناته. ولأن رامز جلال لم يعد لديه جديد، وانفعالاته كعادة أعماله كافة، يغلب عليها التشنج والعصبية، ومخارج ألفاظه ضاعت أو كادت، وضيوف الشرف كُثر من دون الحاجة إليهم أو القدرة على استغلالهم، ولولا التصوير في ما اصطلح على تسميته Magic Hours، وأداء معتز التوني، الذي قام بدور الطبيب، الذي يخالف مقتضيات المهنة، بتلقائية لم تعد غريبة عليه، لكنا أمام {كارثة} بمعنى الكلمة!
توابل
فجر يوم جديد : «كنغر حبنا»!
09-05-2016