عندما تزهو المهنة بممتهنها الصحافي القدير محمد الصقر، الذي استمعت لحواره في المقابلة التي أجريت معه بكلية الإعلام بجامعة الكويت يوم 18 أبريل الجاري، وهي من المقابلات القليلة التي أجراها بحضور عام، وبالنسبة إلي أول مقابلة أسمعها له، وأظنها من أنجح المقابلات، سواء على الصعيد الشخصي أو العام، فلأنها - من الناحية الشخصية - كشفت عن فكر وعقلية هذا الصحافي الفذ الذي لا يقل شأنه عن كبار الصحافيين في العالمين العربي والغربي، خاصة بالدور الذي لعبه على الصعيد المحلي الخاص بالكويت ومنطقة الخليج أو على الصعيد العربي وحتى بالعلاقات مع الغرب.

Ad

المقابلة كشفت عن قوة شخصيته وفهمه لما يريد وبعد نظره في فهم القضايا العربية والغربية والاستراتيجيات بشكل عام، وكان من الضروري أن يسمح بإقامة مثل هذا الحوار مع طلبة كلية الإعلام حتى يتعلموا من خبراته الإعلامية الصحافية  السياسية، وإن كان يفضل ويرى نفسه صحافياً فقط، وهذا الأمر غير صحيح، لأن دوره في السياسة لا يمكن إغفاله وهذا ما سأعود إليه لاحقاً، فمع كل تعدد المهن التي قام بأدائها وكلها ناجحة ومهمة إلا أنه لا يرى نفسه إلا بدور الصحافي، وفي رأيي ليس أي صحافي لأنه من كبار الصحافيين الذين تتشرف وتتعنون المهنة بأسمائهم، ومن خلال مشاهدتي لفيديو المقابلة انتبهت لقدرته الواضحة على طرح آرائه ورؤيته الشاملة العميقة، سواء ما انعكس منها على شخصيته أو على عمله، فالجزء الأكبر من نجاحه يعود إلى تركيبته الشخصية وليس لأنه وريث المال والحسب، ومهنة الصحافة آلت إليه بالوراثة لحصة والده في جريدة القبس، ثم بات هو رئيسها في المقابل، لكن نجاحه يعود إليه مباشرة، لأن المال والحسب لا يورثان النجاح الذي وصل إليه محمد الصقر، فلولا ذكاؤه وطموحه وإصراره للوصول، وشغفه الحاد الذي شاهدته يطل من عينيه وهو يتحدث عن مهنته بعد طول هذه الممارسة عبر هذه السنين كلها، مازالت شعلة شغف المهنة تستولي عليه لدرجة يبثها على من يشاهده ويستمع إليه وهو الشعور الذي انتقل إلي من المقابلة.

وقد نبهتني تلك المقابلة أيضاً إلى الدور الذي لعبه في حياتنا من دون أن ننتبه إلى ذلك، وربما يكون هذا الأمر يخصني وحدي، وقد يكون الآخرون قد انتبهوا إليه، وأعني بدوره السياسي على الصعيد الكويتي والخليجي والعربي، فكل المقابلات التي أجراها مع كل رؤساء العرب دون استثناء أي منهم كان لها تأثير ودور انعكس على الحياة الكويتية وحتى العربية، فهو قابل صدام حسين ثم الرئيس السوري بطلب منه، والملك حسين، وكان له الفضل في تحسين العلاقات مع الأردن من بعد الحرب العراقية، هذا عدا دوره كنائب في البرلمان الكويتي، وما تم من إنجاز خلال الفترة التي كان بها، وأيضاً دوره وأدائه كرئيس للبرلمان العربي، كما أنه كان له الفضل في نشر الرسوم الكاريكاتورية لناجي العلي، حيث أفرد له صفحات "القبس" لسنوات، حتى طلب الرئيس عرفات إبعاده من الكويت، فلجأ إلى لندن، وكذلك الشاعر الصديق أحمد مطر، حيث فتح له الصفحة الأولى من "القبس"، وأيضاً أُبعد إلى لندن.

 وتلقى محمد الصقر تهديداً بقتله بسبب رسومات ناجي العلي، وربما عادتني شجاعته حتى أحكي عن اليوم الـ "ما قبل" الأخير لحياة ناجي العلي، حيث كنت مدعوة لعشاء في بيته، وكان هناك عدد كبير من رجال المنظمة وأيضاً صحافيون كبار منهم عُثمان العمير وعبدالرحمن الراشد وسمير عطاالله وعبدالباري عطوان، وآخرون لا أتذكرهم، وخرجت إلى الحديقة مع أحمد مطر ونورا فاخوري، وحين علت أصواتهم عدنا إلى الصالة، فإذا ناجي جالسا على الأرض وهم متحلقون حوله في نقاش حاد جداً، وعلى أثره قام ناجي ثائراً وخرج إلى سيارته حيث ذهبنا معه أنا وأحمد ونورا، وأخذ يدور بنا قرابة ساعة أو ساعتين وهو ينتفض من الغضب، وحين عدنا للمنزل وجدناهم قد غادروه.

في اليوم التالي سافرت إلى إسبانيا ومن ثم تلقيت من أحمد مطر خبر إطلاق النار عليهما الذي قتل فيه ناجي، ربما لو قلت هذا الكلام في حينه لملكت جزءاً من نجاح شخصية محمد الصقر، لأن النجاح يتطلب القدرة على صيده في الوقت المناسب لذلك.