مقاصد الشريعة هي الغايات الكبرى للتشريع الإسلامي، ومن أجمل الكتب المبسطة والمعرفة بموضوع المقاصد الشرعية، كتيب صغير بعنوان "مقاصد الشريعة" دليل للمبتدئ، يتناول فيه مؤلفه الدكتور جاسر عودة، التعريف بالمقاصد، بطريقة مبسطة عبر تطبيقات متنوعة وتوظيف معاصر لدور المقاصد في التجديد الإسلامي في مجالات عديدة منها: التنمية، وحقوق الإنسان، والخطاب الديني، وفتح الذرائع، وعالمية الدين، وتأسيس أرضية مشتركة للحوار بين المذاهب الإسلامية والأديان.

Ad

ما المقاصد الشرعية؟ يقول المؤلف: مقاصد الشريعة هي ذلك الفرع من العلم الإسلامي الذي يجيب عن كل الأسئلة الصعبة المتلخصة في كلمة "لماذا؟" مثل: لماذا كان أداء الزكاة أحد أركان الإسلام؟ ولماذا كان من الواجبات الإسلامية البر بالجار؟ ولماذا كانت تحية المسلمين "السلام"؟ ولماذا يصلي المسلم خمس مرات في اليوم؟ ولماذا كان صيام شهر رمضان واحداً من أركان الإسلام؟ ولماذا يذكر المسلمون الله دائما؟ ولماذا كان شرب أي مقدار من الكحول، إثماً كبيراً في الإسلام؟ ولماذا فرضت عقوبة الإعدام في التشريع الإسلامي على مقترف الاغتصاب أو القتل العمد؟

 المقاصد الشرعية تبين الحكمة من وراء الأحكام، والمقاصد هي كذلك مجموعة من الغايات الإلهية والمفاهيم الخلقية التي يقوم عليها التشريع الإسلامي، مثل مبادئ العدل، وكرامة الإنسان، والإرادة الحرة، والمروءة والعفاف، والتيسير على الناس، والتعاون الاجتماعي. فمثل هذه الغايات والمفاهيم تشكل جسراً بين التشريع الإسلامي والمفاهيم السائدة اليوم عن حقوق الإنسان، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، ويمكن أن تكون إجابة عن بعض الأسئلة:

 - ما أفضل طريقة لقراءة القرآن والسنّة وإعادة تفسيرهما على ضوء الحقائق المتوافرة في العالم المعاصر؟

- ما المفهوم الإسلامي لـ"الحرية" و"العدالة"؟

- ما نقاط التوافق بين المفاهيم المعاصرة حول حقوق الإنسان والتشريع الإسلامي؟

- كيف يمكن للشريعة الإسلامية أن تساهم في "التنمية" و"الأخلاق" و"العدالة الاجتماعية"؟

- يتميز هذا الكتيب البسيط والقيم عن سابقيه، من الكتب في فقه المقاصد، بأنه استثمر ببراعة، فقه المقاصد، حلولاً لقضايا جدلية معاصرة، من ذلك مثلاً: قضية الناسخ والمنسوخ والتي تفشت بين المفسرين، بدون دليل صحيح، كالقول: إن آية السيف "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" نسخت أكثر من مئتي آية، تدعو إلى حرية المعتقد والحوار والتسامح والسلام.

يفند المؤلف دعوى النسخ ويرى أن الآيات المتعارضة لا نسخ بينها، كونها أتت في سياقات مختلفة، ومن هنا يأتي دور المقاصد لإزالة التعارض الظاهري، وفي قضية التفريق بين الوسائل المتغيرة والغايات الثابتة، يذكر قضية شهادة المرأة، طريقاً للمساواة بين الجنسين في الأهلية القانونية، ومسألة رؤية هلال رمضان التي هي مجرد وسيلة لإثبات دخول الشهر الجديد لا غاية في حد ذاتها، مما يجعلنا نعتمد الحسابات الفلكية الأكثر يقينية، وقضية "فتح الذرائع" مقابل "سد الذرائع" الذي ساد في الفقه الإسلامي، فمنعت المرأة من أعمال مشروعة، خوفاً من أن تؤدي إلى أعمال محظورة، كسفرها وحدها وقيادتها السيارة وعملها وتعليمها... إلخ.

وفي قضية توظيف فقه المقاصد لبناء أرضية مشتركة بين المذاهب الإسلامية، يرى المؤلف: أن أكثر خلافات علماء السنة والشيعة لا ترجع إلى الأصول ولا المقاصد، وإنما ترجع إلى خلافات حول بعض الأحاديث، ومن هنا تخدم الطريقة المقاصدية التي تسعى إلى وحدة المسلمين أمام التحديات المشتركة، والأرضية المشتركة، وهي بذلك تتغلب على التوظيف السياسي للمذاهب، وتشجع على ثقافة التعايش التي نحن في أشد الحاجة إليها.

 كما يمكن لفقه المقاصد أن يؤسس للحوار بين الأديان، عبر الرؤية المنظومية في دراسة الأديان والتي تنطوي على جوانب تشابه كبير مع منهج مقاصد الشريعة عند علماء الإسلام، كالعدل والأخلاق وأنواع المصالح، لذلك يذهب المؤلف إلى أن منهج التعامل مع دراسة الدين على أساس المقاصد، يمكن أن يكون له دور كبير في الحوار بين الأديان وفي تقدم فهم الأديان لبعضها.

وأخيراً فإن وضع المقاصد موضع التنفيذ يحب أن يأخذ مكانه في اهتمام كل متخصصي الشريعة وواضعي السياسات المختلفة، على أساس أن صلاحية أي اجتهاد معاصر هي بقدر تحقيقه لمقاصد الشريعة.

* كاتب قطري