الشهرة تهشم الفوارق بين الأصيل والمبتذل، ولعل الطريقة المثلى لفهم الكيفية التي تذيب فيها الشهرة تلك الفوارق تتمثل بالنظر إلى الشهرة على أنها لم تعد مرتبطة بمبدأ الاحترام، وغني عن القول أن الشهرة في ما مضى كانت الوجه الآخر للاحترام وتحديدا الاحترام المستحق، ولكنهما حاليا انفصلا وأصبح كل منهما قيمة بحد ذاته.

Ad

للشهرة عيوب كثيرة لكن أخطرها يتمثل بأنها لا تحث على التحقق من وجود المزايا الجوهرية التي يتمتع بها من يغدو مشهورا، فتتبدى الشهرة وكأنها ذات سيولة مذهلة في انتقالها من شخص يحوز مزايا أصيلة مثل الموهبة والامتياز إلى آخر تافه وسطحي. وفي هذا المعنى تهشم الشهرة، بكفاءة عالية، الفوارق بين الأصيل والمبتذل، ولعل الطريقة المثلى لفهم الكيفية التي تذيب فيها الشهرة تلك الفوارق تتمثل بالنظر إلى الشهرة على أنها لم تعد مرتبطة بمبدأ الاحترام، وغني عن القول إن الشهرة في ما مضى كانت الوجه الآخر للاحترام وتحديدا الاحترام المستحق، ولكنهما حاليا انفصلا وأصبح كل منهما قيمة بحد ذاته.

ويلوح مفهوم الاحترام على قدر كبير من الأهمية، فعلى سبيل المثال، حين يمارس المرء بجد وتفان مهام وظيفته ويغدو ماهرا ومجيدا لها، فإن إنجازاته ستكون بادية للعيان، ومن ثَم سينتزع احترام زملائه في المهنة، بمن فيهم أولئك الذين يشعرون بالغيرة من تميزه أو يحسدونه على إنجازاته، فالمرء يفرض بمزاياه الجوهرية على الآخرين احترامه، وللحق فإن حياة أي موظف طموح هي حياة تحركها الرغبة في كسب الاحترام.

وقد يثار سؤال وجيه: لماذا الاحترام على هذا القدر من الأهمية؟ ربما لأنه البوابة الكبيرة التي يمر منها المال، فالمرء حين يعجب به مسؤوله أو الذي يعلوه في السلطة ويجده محترما فإنه يجزل له العطاء، كما أن أرباب العمل الآخرين ممن يعلمون أن هذا المرء شخص جدير بالاحترام، سيسعون إلى استقطابه من خلال نفحه مزايا مالية أكثر، والمرء حين يتمتع بالاحترام ويجيد مهارة العلاقات العامة يمضي سريعا في طريق الثراء، ومع ذلك فالمال ليس كل شيء.

القول إن المال ليس كل شيء هو قول وجيه وصحيح، فالمرء قد يظفر بوظيفة مجزية الأجر، وفي الوقت عينه، لا تتناسب مع حقيقة قدرته ومستوى إنجازه اللذين يتسمان بالتواضع، والملاحظة التي تكاد لا تخطئ في حالة كهذه، أن المرء يغدو تلقائيا هدفا لسخرية زملائه، حتى لو كان مبعث غيرتهم الأجور المالية الباهظة التي يتقاضاها، فإن لسخريتهم ما يبررها. ذاك أن من يتندرون عليه يعلمون، مثلما هو يعلم علم اليقين، أنه ليس ماهرا في أداء عمله ولا يستحق ما يدفع له، لكن العطاء الجزل يشكل غالبا نوعا من العزاء، بحيث يمضي المرء في خداع نفسه بالقول إن هذه هي حقيقة الحياة!

هذا الضرب من الأشخاص يسكنه الاعتقاد بقدرته على خداع الجميع طوال الوقت، مع أنه في قرارة نفسه يصارع الرغبة في الاحترام، أما من لا تدفعه نفسه إلى طلب الاحترام فربما هو من صنف يرى المال مقياسا للاحترام.

 بطبيعة الحال يتطلب حصد المال من المرء التميز في حقل تخصصه، وكي يكون المرء متميزا ومحترما، لابد أن يستوفي الشروط التي تتطلبها مستويات تخصصه، لكن من ينظر إلى ذلك كله على أنه مجرد لعبة الهدف منها حصد المنافع المالية لن يكون له شأن في ميدان تخصصه، فالمحتال يعمل بإتقان حين ينبهر الناس به، وهل هناك أقوى من الإبهار الذي تكون الشهرة مصدره؟