في كلمته أمام الاجتماع الثالث لوزراء أوقاف دول مجلس التعاون الخليجي بمدينة الرياض، دعا وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي صالح آل الشيخ إلى العمل على إعادة بناء وتصحيح العقل المسلم في رؤيته لأنواع الفقه من حيث فقه الدعوة وفقه الضعف وفقه المآلات والمقاصد التي تغيب عن كثير من الذين يعملون في حقول الدعوة، وأيضاً في مداركه بمعرفة الفرق بين الفاضل والمفضول، والسيئ والأسوأ، وما بين الأولويات، وشدد على الحاجة الملحة لإحياء "فقه المقاصد" ومعرفة المآلات، باعتبارهما من الأدوات والوسائل الأساسية للاجتهاد المعاصر، فهما عدة المجتهد اليوم في مراعاة أحوال الناس والمجتمع في إصدار الفتاوى الآخذة في الاعتبار الظروف المتغيرة، وطالب زملاءه وزراء الأوقاف بالسعي لإعادة صياغة فهم العقل الإسلامي بالشريعة المباركة، وانتقد آل الشيخ بعض البرامج الدعوية والإرشادية التي تتجه إلى تهييج الشباب بالأعمال البطولية وبمظاهر القوة والعزة والكرامة، والتي قد يفهمها الشباب بطريقة مختلفة تماما عما يفهمها الكبير والعاقل، ومن ثم، يقطف ثمرتها "التكفيريون والإرهابيون ونحوهم".
ما دعا إليه آل الشيخ في هذا الملتقى المهم لكبار المسؤولين عن الشؤون الدينية يستحق التقدير والإشادة، لأنه نقد ذاتي يصدر من مسؤول للمؤسسات الدينية التقليدية، وصولا إلى تشخيص دقيق لمواطن الخلل في الخطاب الدعوي المعاصر في مواجهة تحديات الإرهاب والعنف والكراهية وتوظيف الخطاب الدعوي لخدمة الأجندة السياسية، ومخاطر كل ذلك على عقول الناشئة والشباب ونفوسهم، إضافة إلى تشويهها للدين الإسلامي وإفرازها لظاهرة "الإسلام فوبيا" التي تتزايد انتشارا في الغرب ضد الإسلام والمسلمين. وتأكيدا لما طالب به وزير الشؤون الإسلامية السعودي، فإن كل المفكرين والمثقفين العرب، وعلى اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية، سبق وعلى امتداد عدة عقود، أن طالبوا بتجديد الخطاب الدعوي: تعليما أو فتوى أو كتابا أو درسا دينيا أومآبا منبريا، في ضوء فقه المقاصد ومعطيات العصر ومتغيرات المجتمع وضرورات الدولة، سواء في كتبهم ومقالاتهم أو المحاضرات والمنتديات والمؤتمرات، من أبرزها: منتدى باريس حول تجديد الخطاب الديني أغسطس ٢٠٠٣، و"الملتقى الأول للمفكرين العرب" مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، يناير ٢٠١٦. وفي كل هذه المنتديات كانت هناك مطالبة إجماعية بضرورة تجديد الخطاب الديني، كمدخل لإصلاح الأوضاع العامة، وضرورة ملحة لعبور الفجوة الواسعة بين العالمين: العربي والإسلامي والعالم المتقدم، وكان هناك تأكيد على أن تجديد الخطاب الديني مهمة ومسؤولية مشتركة بين علماء الدين والمفكرين، انطلاقا من النظر إلى الإنسان باعتباره قيمة مركزية عليا، ومن أهمية تحكيم العقل في شؤون الحياة، ومن هنا كانت المطالبة بردم الفجوة بين النخب الدينية والنخب الفكرية والثقافية عبر إقامة جسور مشتركة بينهما، من أجل التوصل إلى فهم مشترك، يؤسس لخطاب ديني جديد يحتضن الإنسان، كونه مخلوقا مكرما من لدن الخالق عز وجل، مصداقا للآية الكريمة "ولقد كرمنا بني آدم". هذا الخطاب الديني الجديد يجب أن ينطلق من فقه المقاصد الشرعية، ويستجيب للاحتياجات المجتمعية، كما يجب أن يحظى بتوافق مجتمعي، ويكون من أهدافه: تغيير عقلية المسلم تجاه قبول الآخر والتسامح، يحبب الشباب في الحياة وفي العمل وفي الإنتاج والتنمية والابتكار والإبداع والاكتشاف، ويحصنهم من أمراض التطرف والكراهية، وفي هذا المجال، ينبغي على المؤسسات الدينية الخليجية والعربية العمل على تضافر جهودها، والتنسيق بينها، وتعاونها في وضع استراتيجية عامة، من مرتكزاتها:أولا: دعم الإعلام الإيجابي المعزز لقيم الاعتدال والتسامح وقبول الآخر.ثانيا: حظر الترويج لأفكار الكراهية والتشدد والإساءة للمعتقدات والأديان والمذاهب.ثالثا: الإشراف على منابر بيوت الله تعالى بما يجنبها الانزلاق إلى التوظيف السياسي للدين لخدمة أجندة أيديولوجية وإفساد ذات البين.رابعا: ضبط الفتاوى وتوحيد مرجعيتها.خامسا: تنقيح المناهج الدينية من أفكار الغلو والتطرف والكراهية، وتطويرها في ضوء فقه المقاصد الشرعية والمآلات وفي ضوء فقه الأولويات وفقه الموازنات، وبما يعزز منهج الوسطية والتسامح الديني وقبول الآخر.* كاتب قطري
مقالات
العقل المسلم وفقه المقاصد
25-04-2016