مع استمرار نزيف حليفته إيران في سورية، خسر "حزب الله" اللبناني أحد أهم قادته مصطفى بدرالدين المعروف في الكويت باسم إلياس صعب،

Ad

في هجوم غامض استهدف أحد مراكز الحزب قرب مطار دمشق الدولي، في عملية تمثل أكبر ضربة في سورية رغم التدخل العسكري الإيراني والروسي دعماً لنظام بشار الأسد.

تلقى «حزب الله» أقسى ضربة له منذ عام 2008 (اغتيال القيادي عماد مغنية) باغتيال القيادي مصطفى بدرالدين، الذي يعتبر أحد أهم الأدمغة العسكرية في الحزب.

ولم يُحدد حتى الساعة طبيعة الاستهداف، لكنه، كما أكدت مصادر مطلعة، استهداف دقيق وحساس جداً، مبني على معلومات استخباراتية هائلة الدقة، لا تستطيع القيام بها إلا دول متقدمة عسكرياً وتكنولوجياً. وتنحصر الترجيحات إلى حدّ كبير بين الاستهداف بغارة جويّة أو بصاروخ مجنّح دقيق جداً.

وعرف بدر الدين باسم «ذوالفقار»، وتسلّم منذ فترة لا بأس بها، الملف العسكري السوري، حيث كان يعتبر القائد العسكري الأول للحزب في سورية.

كما برز اسم بدر الدين بعد اتهامه من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

«حزب الله»

وأصدر «حزب الله» التعليق الأول على عملية الاغتيال، فجر أمس، قائلاً في بيان صادر عن الإعلام الحربي: «قال قبل شهور: لن أعود من سورية إلا شهيداً أو حاملاً راية النصر. إنه القائد الجهادي الكبير مصطفى بدر الدين (ذو الفقار). وها هو اليوم عاد شهيداً ملتحفاً راية النصر، الذي أسّس له عبر جهاده المرير في مواجهة الجماعات التكفيرية في سورية، والتي تشكّل رأس الحربة في المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة».

وتابع بيان النعي: «بعد حياة حافلة بالجهاد والأسر والجراح والإنجازات النوعية الكبيرة يختتم السيد ذوالفقار حياته بالشهادة، ويلتحق بقافلة الشهداء القادة رضوان الله عليهم، ومنهم رفيق دربه وجهاده وحبيب عمره الشهيد القائد الحاج عماد مغنية (رحمه الله)».

وألحق الحزب بيانه الأول بثانٍ، قال فيه: «المعلومات المستقاة من التحقيق الأولي، تفيد أن انفجاراً كبيراً استهدف أحد مراكز الحزب قرب مطار دمشق الدولي، ما أدى إلى استشهاد بدرالدين وإصابة آخرين بجراح».

وأكد «حزب الله» أن «التحقيق سيعمل على تحديد طبيعة الانفجار وأسبابه، وهل هو ناتج عن قصف جوي أو صاروخي أو مدفعي»، مؤكداً أنه «سيعلن المزيد من نتائج التحقيق قريباً».

وبينما لم يتهم الحزب إسرائيل بمقتل بدر الدين البالغ 55 عاماً، قالت عدة قنوات تلفزيونية لبنانية، ومنها قناة الميادين المقربة من حزب الله، صباح الجمعة، إن إسرائيل نفذت الغارة.

تاريخه

ولد بدر الدين عام 1961 في بلدة الغبيري، وهو صهر القائد العسكري للحزب الله عماد مغنية. حتى عام 1982، كان ومغنية في صفوف قوات الـ17، وهي جزء من حركة «فتح» في بيروت، وفي وقت لاحق انضم إلى «حزب الله».

ومنذ تأسيس «حزب الله» انتسب بدر الدين إلى صفوفه، وتسلم مهاماً قيادية نظراً إلى خبراته القتالية داخل صفوف «فتح»، وساهم في إدخال قائد المجلس الجهادي عماد مغنية إلى صفوف الحزب، بعد أن كان إلى جانبه في جهاز حماية السيد محمد حسين فضل الله.

شكل بدر الدين إلى جانب مغنية ونصر الله المثلث القيادي في الحزب، الذي تمتع بنفوذ كبير داخل تشكيلاته، إذ كان لديهم علاقة مباشرة مع إيران.

شغل بدر الدين منصب رئيس المجلس الجهادي في «حزب الله»، قبل أن يستلمه مغنية في منتصف التسعينيات. منذ بدء الحرب في سورية، تسلّم بدر الدين المسؤولية الكبرى في دمشق، إذ يصفه العارفون بأنه قاسم سليماني الثاني، ويُعتبر حاكماً مطلقاً، ومسؤولاً عن توزيع القوات وخوض المعارك، إضافة إلى سلطاته في جهاز أمن حماية الرئيس السوري بشار الأسد، كما يقال.

وعُرف عنه الطبع الحاد، وأنه كان حاسماً في قراراته، وهو لم يغادر سورية منذ سنوات، إلا لعقد إجتماعات قيادية في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ويرجح كُثر من قادة «حزب الله» أن يكون بدر الدين مسؤولاً عن كامل الوحدات العسكرية والأمنية للحزب خارج لبنان. تميّز بدر الدين بالعمل الأمني، إذ عمل لفترة طويلة على كشف شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان، وأشرف على تجنيد عملاء للحزب داخل إسرائيل، إضافة إلى مهامه الأمنية المتعددة.

الكويت

اعتقل بدر الدين في الكويت عام 1983، بتهمة تفجير السفارة الأميركية في الكويت، إذ دخل بجواز سفر لبناني تحت اسم إلياس صعب، وكان عضواً في حزب «الدعوة»، واعتقل مع 17 من المشتبه بهم بعد شهر واحد من سبعة انفجارات في الكويت حدثت في يوم واحد، في 13 ديسمبر 1983.

حُكم عليه بالإعدام بتهمة تدبير الهجمات، وبترت ساقه وتم تركيب ساق خشبية له في السجن. ومن أجل إجبار السلطات الكويتية على إطلاق سراح بدرالدين وغيره، قام عماد مغنية باختطاف طائرة تتبع الخطوط الجوية الكويتية.

فرّ بدر الدين من السجن في عام 1990، أثناء غزو الكويت، وفي وقت لاحق أعاده الحرس الثوري الإيراني إلى بيروت.

6 أسماء وهمية استخدمها بدر الدين

منذ 3 أسابيع، نشر الموقع الرسمي لوزارة الخزانة الأميركية أسماء لبنانيين وشركات ومؤسسات على علاقة بـ"حزب الله"، بعد أن أُدرجوا في قائمة المستهدفين، في أعقاب اعتماد الرئيس الأميركي باراك أوباما قانون مكافحة ومنع تمويل "حزب الله" الصادر عن الكونغرس الأميركي.

وكان اللافت حينها أنّ الخزانة إستهدفت القيادي في "حزب الله" مصطفى بدرالدين، كاشفةً أنّ الأسماء المستعارة التي يستخدمها هي (مصطفى أمين بدرالدين، مصطفى يوسف بدرالدين، إلياس فؤاد صعب، إلياس صعب، سامي عيسى، ذوالفقار).

وكانت الخزانة قد ذكرت أنّ بدرالدين متهم بأنّه مسؤول عن عمليات الحزب العسكرية منذ سبتمبر 2011، بما في ذلك انتقال مقاتلين من لبنان إلى سورية، لدعم النظام السوري، ومع بدء التنسيق العسكري الاستراتيجي بين الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، رافق بدرالدين الأخير إلى الاجتماعات في دمشق.

وقاد العمليات العسكرية في القصير في فبراير 2013، التي كشف عنها في مايو 2013 "الجيش الحر".

كم مرة استطاعت إسرائيل اصطياد قادة في الحزب؟

في خضم الحرب المفتوحة بين "حزب الله" وإسرائيل محطات استطاعت فيها الاستخبارات الاسرائيلية أكثر من مرّة الوصول إلى قادة من "الصف الأول" واغتيالهم في لبنان أو سورية منذ اندلاع الحرب السورية.

وتحتوي اللائحة التالية أبرز قادة "حزب الله" الذين اغتالتهم إسرائيل:

16 يناير 1992: مقتل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد عباس الموسوي بصواريخ أطلقتها طائرتا هيلوكبتر إسرائيليتان على موكبه في لبنان، وأدت إلى وفاته وزوجته وابنه الصغير وعدد من مرافقيه.

2 أغسطس 2003: اغتيال القيادي علي حسين صالح بعبوة ناسفة في الضاحية الجنوبية بواسطة عميل للاستخبارات الاسرائيلية.

19 يوليو 2004: اغتيال القيادي غالب عوالي أو "أبو مصطفى" وهو أحد كوادر "حزب الله" الأمنيين. واستهدف بعملية وصفت وقتئذ بأنها احترافية، إثر زرع عبوة ناسفة تحت سيارته في شارع معوض، تم تفجيرها عبر "الريموت كونترول" عن بعد.

12 فبراير 2008: استهداف القائد العسكري والأمني في "حزب الله" عماد مغنية، بتفجير سيارته في حي كفرسوسة بدمشق، بجهاز تفجير عن بعد، بعد سنوات طويلة من الاختفاء وملاحقة اسرائيل وأجهزة استخبارات دولية له.

4 ديسمبر 2013: اغتيال حسان هولو اللقيس، أحد أهم القادة الأمنيين، وكان يتولى مسؤوليات عسكرية في سورية، باطلاق النار عليه عند مدخل منزله في منطقة الحدث.

11 اكتوبر 2015: اغتيال أحد أبرز قادة الحزب وأحد المسؤولين عن الجبهة الأمامية في مواجهة اسرائيل الحاج حسن محمد الحاج، المعروف بـ"أبو محمد الإقليم" والملقب بـ "أحد أعمدة المقاومة"، وكانت تجمعه علاقة وثيقة بالامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، واستهدف في معارك سهل الغاب في ريف حماة.

19 ديسمبر 2015: اغتيال عميد الأسرى المحررين اللبنانیین من السجون الإسرائيلية سمير القنطار بغارة اسرائيلية على مبنى مكون من ستة طوابق في بلدة جرمانا جنوب العاصمة السورية دمشق.

19 فبراير 2015: اغتيال الابن الأكبر لعماد مغنية، جهاد مغنية، بغارة إسرائيلية على موكب كان يضمّ قادة إيرانيين ومسؤولين من الحزب في زيارة سريّة إلى القنيطرة.

26 مارس 2016: "هذا القائد لن تُعرف قيمته إلا بعد استشهاده"، هذا ما قاله السيد نصرالله عن القائد الميداني علي فياض الملقب بـ"علاء البوسنة" (من بلدة أنصار الجنوبية)، الذي اشتبك مع عناصر "داعش" في حلب، وأصيب إصابة بالغة في قدميه ومعدته أودت بحياته.

10 مايو 2016: شقيق زوجة عماد مغنية وخليفته، والمطلوب رقم واحد من المحكمة الخاصة بلبنان بتهم التخطيط لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، القائد العسكري مصطفى بدر الدين، الذي قضى بانفجار استهدف أحد مراكز الحزب بالقرب من مطار دمشق الدولي.

«ديبكا»: خلافات حادة لبدرالدين مع نصرالله وسليماني سببها سورية

عقب إعلان "حزب الله" مقتل مصطفى بدرالدين، بدأت الروايات الإسرائيلية تتوالى الواحدة تلو الأخرى، وكشف موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي، من دون أن ينفي فَرضية وقوف إسرائيل وراء غارة دمشق، أنّ "لبدر الدين خصوماً من بين كبار القادة الإيرانيين والسوريين"، مشيراً إلى أنّه "كان على خلاف أيضاً مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، بسبب نيته سحب عدد كبير من عناصر الحزب، التي تشارك في القتال في سورية إلى لبنان من جهة، ورفضه المشاركة في بعض المعارك الحاسمة في الحرب السورية من جهة ثانية".

وادّعى الموقع أنّ بدرالدين زعم أنّ "الرئيس السوري بشار الأسد والقياديين الإيرانيين يوكلون مهمات العمليات الصعبة لعناصر حزب الله، ناقلاً عنه قوله، إنّ الحزب يعاني بسبب ارتفاع عدد ضحاياه في الحرب السورية".

وأشار الموقع إلى أنّ "بدر الدين التقى مطلع الأسبوع الجاري بقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني قرب حلب، شمال سورية"، لافتاً إلى أنّ "خلافاً كبيراً نشب بين الاثنين على خلفية إدارة الحرب في سورية". وأضاف "ديبكا": "رأى بدر الدين أنّ إيران وقعت ضحية مخطط التضليل الروسي، الذي لم تعد توفر موسكو بموجبه الغطاء الجوي في سورية".

«المستقبل»: إلى الجحيم»  و«المنار» يرد

لم تستطع مراسلة قناة المستقبل ناهد يوسف لجم فرحتها باغتيال القائد في "حزب الله" مصطفى بدرالدين، فما كان منها إلا أن اطلقت العنان لمشاعرها على فيسبوك: "مصطفى بدر الدين... إلى جهنم" غير آبهة بوقع كلامها وتردداته.

وعلّق المراسل في قناة "المنار" عباس فنيش على يوسف بلغة فظة بعدما استفزه ما كتبته قائلا: "سدّي يوزك"، لتكرّ بعدها سبحة الشتائم، التي طالت الرموز الدينية، واجترت تراشقاً دينياً عمره يفوق ألف عام.