اعتصم مئات الصحافيين المصريين داخل مقر نقابتهم، منذ الساعات الأولى من فجر أمس، بعد قليل من اقتحام قوات الأمن مقر النقابة للقبض على صحافيين، في واقعة اعتبرها الصحافيون يوم "الأحد الأسود" في تاريخ النقابة، وبينما تمسكت النقابة بضرورة إقالة وزير الداخلية على خلفية واقعة الاقتحام التي تمت بالمخالفة للقانون، التزمت مؤسستا الرئاسة ومجلس الوزراء الصمت.

Ad

في سابقة هي الأولى من نوعها، منذ إنشاء نقابة الصحافيين المصريين عام 1941، اقتحمت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، مقر النقابة وسط القاهرة، لإلقاء القبض على صحافيين اعتصما في وقت سابق داخلها، حيث يأتي ذلك بعد مرور أقل من أسبوع على بلاغ تقدم به نقيب الصحافيين يحيى قلاش إلى النائب العام ضد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة، بعد منع قوات الأمن صحافيين من الوصول إلى نقابتهم يوم 25 أبريل الماضي.

وقالت الوزارة، في بيان رسمي لها، إن الاقتحام لمقر النقابة جاء تنفيذا لمذكرات توقيف ضد الصحافيين، بتهمة نشر أخبار تحرض ضد الدولة المصرية، والدعوة إلى التظاهر احتجاجا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في 25 أبريل الماضي، الأمر الذي دفع الصحافيين إلى التصعيد، بالاعتصام في المقر والدعوة إلى عقد جمعية عمومية حاشدة غدا.

وجاء في بيان "الداخلية": "قرار الضبط جاء تنفيذا لقرار النيابة العامة بشأن ضبط وإحضار رئيس تحرير بوابة يناير الإلكترونية، عمرو بدر، وصحافي متدرب في البوابة ذاتها يدعى محمود السقا، لتحريضهما على خرق قانون تنظيم التظاهر والإخلال بالأمن ومحاولة زعزعة الاستقرار بالبلاد".

وقد التزمت مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء الصمت حيال الحادث، ما أثار تكهنات حول مدى ما توافر لديهما من معلومات بشأن الإجراء المرفوض من غالبية الجماعة الصحافية، لكون النقابة، التي احتفلت منذ أيام باليوبيل الماسي لها ومرور 75 عاما على إنشائها، احتضنت أول فعاليات مناهضة لاتفاقية الترسيم في 15 أبريل الماضي، اشتكت من تحرشات أنصار النظام الذين دخلوا إلى محيطها يوم 25 أبريل الماضي تحت حماية قوات الأمن.

بربرية

من جانبها، استنكرت نقابة الصحافيين في بيانها أمس، اقتحام قوات الأمن مقرها، ووصفته بـ"الهجمة البربرية"، وتابع البيان: "الإجراء عار ولا يمكن غسله إلا بإقالة فورية لوزير الداخلية، الذي أمر قواته بمحاصرة مبنى النقابة واقتحامه، بالمخالفة للمادة 70 من قانون نقابة الصحافيين التي تحرم تفتيش مقار النقابة إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة، وبحضور نقيب الصحافيين أو من يمثله"، ولفت البيان إلى أن "تلك الممارسات تؤجج حالة التوتر الداخلي لوطن يواجه كثيرا من التحديات الخارجية".

وفي أولى خطوات تصعيدية من نقابة الصحافيين، قرر مجلس النقابة الدعوة إلى اجتماع عاجل لأعضاء الجمعية العمومية، في الواحدة من ظهر غد، لتدارس الحدث الجلل، واتخاذ ما يناسبه من قرارات للرد عليه، بما يحفظ كرامة المهنة ويصون حرمة النقابة، فضلا عن دعوة رؤساء تحرير جميع الصحف القومية والحزبية والخاصة، والنقباء وأعضاء مجالس النقابة السابقين والصحافيين أعضاء مجلس النواب، إلى اجتماع مشترك مع مجلس النقابة في الثانية عشرة من ظهر اليوم نفسه، للتشاور في ما يلزم من إجراءات، وقد أعلن موقع جريدة "البديل" الإلكتروني الاحتجاب أمس مدة 24 ساعة اعتراضاً على الواقعة.

بيان النيابة

من جانبه، قال نقيب الصحافيين، يحيى قلاش، لـ"الجريدة" إن رئاسة الجمهورية لم تتواصل حتى عصر أمس مع النقابة، وأن حديث بعض الزملاء بأن رئاسة الجمهورية لم تكن على علم بالواقعة لم نبلغ به رسميا إلى الآن، وقال قلاش: "سبق أن حذرت النقابة في بيانات سابقة من محاولات اقتحام مقرها من البلطجية والسوابق في رعاية من رجال الأمن الذين منعوا الصحافيين من دخول نقابتهم خلال تغطيتهم فعاليات 25 أبريل الماضي".

وكان رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، ياسر رزق، قال إن "مؤسسة الرئاسة لم تعلم بأمر مداهمة مقر الصحافيين ولم ترض عنه". وأضاف، في مداخلة لبرنامج "القاهرة اليوم، مساء أمس الأول، "الواقعة دليل على أن هناك أطرافا في وزارة الداخلية تسيئ للنظام وتسيئ للدولة، ولا تعي مسؤوليتها".

إلى ذلك، وفي حين علمت "الجريدة" أن وزارة الداخلية تعتزم تقديم اعتذار عما حدث من اقتحام قوات الأمن للنقابة، والإعلان عن محاسبة جميع المتسببين فيه، وأن رئيس الوزراء شريف إسماعيل تدخل لتقريب وجهات النظر بين الصحافيين ووزارة الداخلية، قال مصدر رفيع المستوى لـ"الجريدة"، إن "الرئاسة فتحت تحقيقا موسعا حول الأزمة، وتواصلت مع وزير الداخلية، للاستفسار عن أسباب الاقتحام"، مضيفا أن الرئيس السيسي طلب ملفا كاملا عن الأزمة.

في السياق، أصدرت النيابة العامة بيانا أوضحت فيه تفاصيل القضية المتهم فيها الصحافيان عمرو بدر ومحمود السقا، وأشار البيان إلى أن هناك إذنا قضائيا صدر بضبطهما و7 متهمين آخرين، في قضية حيازة أسلحة نارية ومولوتوف ومطبوعات ومنشورات تحريضية.

انتهاك الدستور

ومنذ وقت مبكر من صباح أمس، استنكرت نقابات المهندسين والمحامين والأطباء، وبعض الأحزاب اليسارية، الواقعة، ودان تكتل نواب (25-30)، اقتحام وزارة الداخلية للنقابة، ووصفوا ما حدث بالانتهاك الصارخ للدستور، وطالبوا رئيس الوزراء ووزير الداخلية بإعلان رسمي بتحملهما كامل المسؤولية السياسية عن هذه الممارسات، داعين إلى الإفراج عن جميع من ألقي القبض عليهم منذ "جمعة الأرض" ممن لم يتورطوا فى أي أعمال عنف، كما دان النائب عبدالرحيم علي ومصطفى بكري عملية الاقتحام، وأكدوا تقديمهم طلبات إحاطة لوزير الداخلية.  

ودان نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب سامح عاشور، واقعة الاقتحام ووصفها بالحدث الأول من نوعه الذي يتم فيه اقتحام نقابة مهنية لاعتقال أحد المعتصمين بداخلها، وتابع عاشور في بيانه: "اعتصام النقابي داخل نقابته لا يعني انتهاك حرمة النقابة حتى لو كان مطلوبا القبض عليه في أي تهمة".