«تاريخ الكويت»... في طبعة جديدة (١-٣)

نشر في 05-05-2016
آخر تحديث 05-05-2016 | 00:00
 خليل علي حيدر سيكون للمؤرخ «عبدالعزيز الرشيد» وكتابه عن تاريخ الكويت سحرهما الخاص على الدوام، ذلك أن كتابه لم يكن مجرد تحديد لمعالم تاريخ الكويت وأبرز أحداثه، بل شمل الحديث عن شخصيات وأحداث ونشاطات أدبية واجتماعية، ولهذا وجد كل من جاء بعده شيئا أو أشياء يقتبسها أو يشير إليها من كتاب الرجل.

صدرت في فبراير 2016 الطبعة الرابعة من «تاريخ الكويت» بعناية حفيد المؤرخ الأستاذ خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد، بعد تسعين عاما، أي قرابة قرن من صدور الطبعة الأولى في بغداد عام 1926، حيث وصل الشيخ عبدالعزيز الذي كان يدرس هناك إلى الكويت من بغداد، ومعه بعض النسخ من كتابه، قام بتوزيعها على أصدقائه، فيما وصلت بقية الكمية في صناديق إلى جمارك الكويت عن طريق البحر، وبقيت فيها بانتظار التخليص الجمركي!

ولم تنتظر النخبة الكويتية القارئة بيع الكتاب وتداوله في الأسواق، إذ انتشر خبره بسرعة في الدواوين والمجالس، «ولما قرأه الناس فرح بعضهم بما جاء فيه بينما جُنّ جنون البعض الآخر. ولقد أحدث هذا التاريخ دويا آنذاك في ذلك المجتمع البسيط، وتعرض صاحبه إلى توبيخ من البعض، وتهجم البعض عليه فانقلبت فرحته نتيجة لذلك إلى حزن».

ودار جدل حول «تفسيح» الكتاب أو اقتطاع بعض الصفحات منه، ربما كأول إجراء رقابي إعلامي تمارسه الحكومة الكويتية في مجال الثقافة والإعلام، إلا أن الأمر صدر في النهاية بتداول الكتاب... بما فيه!

وقد صدرت الطبعة الثانية عن دار مكتبة الحياة في بيروت في أوائل ستينيات القرن تحت إشراف نجل المؤرخ الأستاذ يعقوب عبدالعزيز الرشيد، الذي ضمّن الكتاب فصولا إضافية عن نهضة الكويت تغطي الفترات اللاحقة لوفاة المؤرخ.

وفي عام 1999 قامت دار قرطاس بإعادة طباعة الكتاب «وفقا للنسق والترتيب الذي صدر به الكتاب أول مرة في عام 1926، حيث تم الإبقاء فيها على نص الطبعة الأولى من دون تغيير، ما عدا حذف ثلاثة أسماء لأشخاص جرى التعريف بهم في إطار الصراع الفكري معهم».

يعدّ المؤرخ الرشيد (1887- 1938) أبرز وأهم نماذج مثقفي التيار الإصلاحي العربي الإسلامي في الكويت، ولا شك أن أبرز من تأثر بهم من قادة هذا التيار جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا هو الشخصية الثالثة. رشيد رضا (1865- 1935) الذي ذاع فكره وانتشر تأثيره في عموم العالم الإسلامي من خلال مجلة المنار، كما أنه الوحيد الذي زار الكويت بين هؤلاء الشخصيات المعروفة بأدوارها التاريخية.

يقال عن الشيخ رشيد رضا إنه «حسيني النسب، بغدادي الأصل، لبناني المولد، مصري الفكر، حيث تتلمذ على الشيخ محمد عبده». (التيار الحداثي في العراق، د. سمير العبيدي، عمان- الأردن، 2014، ص161).

وتقول موسوعة الإعلام للزركلي عنه إنه ولد في طرابلس بلبنان، في القلمون، وكتب في بعض الصحف، ثم رحل إلى مصر فاتصل بالشيخ عبده وأصدر مجلة «المنار» لبثّ آرائه في الإصلاح الديني والاجتماعي «وأصبح مرجع الفتيا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة». وقد قام برحلات إلى سورية والهند والحجاز وأوروبا، وعاد فاستقر بمصر إلى أن توفي فجأة في سيارة كان راجعا بها من السويس إلى القاهرة، فدفن فيها.

تأثر الشيخ عبدالعزيز الرشيد كثيرا بفكر رشيد رضا، وقد قامت آراء رشيد رضا الإصلاحية على الأسس التالية:

1 - استقلال الفكر وحرية العقل في العلم واجتناب تقليد العلماء.

2 - إبطال البدع والخرافات والتقاليد والعادات التي أفسدت العقائد والأخلاق، وروجت بين المسلمين الخرافات مثل بدع الموالد وعبادة القبور والمشاهد.

3 - اعتماد القرآن والحديث النبوي في تصحيح العقائد وتزكية النفوس وتهذيب الأخلاق والاتباع المحض في العبادات على منهاج السلف الصالح. ويقتضي ذلك إحياء علوم التفسير والسنّة وآثار السلف، ويستنكر الجمود الفكري الذي ألمّ بالمقلدين من علماء عصره.

4 - إصلاح نظام التربية والتعليم، وبخاصة إصلاح الأزهر، وإتمام ما بدأ به الشيخ محمد عبده. ولم يقتصر إصلاح الأزهر على تطوير وتحسين أساليب التعليم فيه، وإنما حسب رأي رشيد رضا، يقتضي تدريس العلوم العصرية فيه، مطالبا بإقناع علماء الأزهر ورجال الدين بـ»أن العلوم الرياضية والطبيعية التي هي محور الثروة والقوة والعزة لازمة لا مندوحة عنها، ويجب أن تُعلّم مع الدين، وأن يقوم بتعليمها رجال الدين؛ لأن تركها للمدارس الأميرية- أي الحكومية- والأجنبية التي يقولون «لا دين فيها» يجعلها خاصة بمن لا دين لهم، وهؤلاء لا يرجى منهم خير للأمة».

 وأضاف: «وإن الشريعة الإسلامية تصرح بأن تعلم الصناعات التي يحتاج إليها البشر في معاشهم واجبة على مجموع الأمة، وأما ما يتوقف عليه الواجب المطلق كالجهاد واجب أيضا... مع هذا كله نجد أكثر رجال الدين عندنا يعادون هذه الفنون وأهلها، بل يكفرونهم ومنهم من عمي عن الوقت والزمان فزعم أنها لا لزوم لها بالكلية...».

5 - الدفاع عن الإسلام وذلك بالرد على الملاحدة ودحض مزاعمهم وحججهم، ويقتضي ذلك التحقيق في صحة روايات الأحاديث وانتقاء الصحيح منها وإهمال الأحاديث الموضوعة. وشرع محمد رشيد رضا بالعمل في هذا الاتجاه وذلك بتفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإصدار الفتاوى ونشر المقالات في مختلف الموضوعات.

6 - القيام بالوعظ والإرشاد للمسلمين في مساجدهم ومجامعهم وقراهم ومزارعهم وبدوهم وحضرهم بالخطب والدروس العامة والتأليف في العقائد والعبادات.

7 - الدعوة إلى الإسلام في العالم، وذلك بعد تهيئة جيل من المثقفين ثقافة دينية سليمة والملمين باللغات الأجنبية والعلوم الحديثة. (الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798- 1914، د. علي المحافظة، بيروت، 1987، ص90-94).

وكان الشيخ محمد رشيد رضا يدين بالولاء كمفكر للإسلام أولا، لكنه في الوقت ذاته يقبل بالقومية كأساس للدولة الإسلامية، «فكان رضا بذلك وفيا لولائه العربي والإسلامي معا، مؤمنا بأن وحدة العرب تسهم في وحدة المسلمين، وأن وحدة المسلمين تسهم في تحقيق وحدة العرب»، كما يحلل د. مجيد خدوري فكر رشيد رضا. (الاتجاهات السياسية في العالم العربي، بيروت 1972، ص191).

ماذا عن موقف رشيد رضا من الدولة العثمانية؟ فالمعروف كما يقول د. يعقوب يوسف الحجي في كتابه عن حياة الرشيد، إنه «حين قامت الحرب العالمية الأولى، واحتل الإنكليزي البصرة، قام الشيخ مبارك بطرد كل من كان يقف مع الأتراك من الغرباء، وكان أحدهم الشيخ البارز محمد أمين الشنقيطي المغربي، الذي كان يؤيد مناصرة الأتراك ضد الإنكليز نظرا لأنهم من المسلمين. ولم يعجب هذا العمل الشيخ عبدالعزيز الرشيد بالتأكيد، وكتب يلوم الشيخ مبارك على هذا العمل، ولكن بعد موت الشيخ مبارك بإحدى عشرة سنة». (الكويت، 1993م، ص 61-62).

أما الشيخ رشيد رضا فكان إلى جانب تعاطفه مع الحركة الوهابية التي حاربتها الدولة العمثانية، ينفر من الأتراك لأسباب قومية.

يقول د. خدوري عن رشيد رضا إنه «شارك سواه من القوميين العرب اعتقادهم أن الحكام العثمانيين قوضوا دعائم الإسلام، ولذلك أيد الحركة القومية العربية لتحرير البلاد العربية من الحكم العثماني، ولإعادة الخلافة إلى العرب، حتى لو رفض الأتراك. وانضم كذلك إلى الجمعيات العربية القومية، وكان له نشاط سياسي في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، لكنه في الوقت ذاته أحس بخيبة أمل لأن الحركة القومية العربية حملت في ركابها التدخل الأجنبي. ولهذا رأيناه في أواخر أيامه يرتد إلى التشديد على الولاء للإسلام أولاً، بشكله الوهابي النقي الذي ظهر في بلد عربي ظل في نظره منيعا على النفوذ الأجنبي». (ص191).

وفي كتاباته «تناول رضا بني الإسلام من منظار عربي تقليدي، فتحدث عن محمد (صلى الله عليه وسلم) على أنه النبي العربي، وعن القرآن على أنه كتاب الله الذي أنزل بلسان عربي، وعن العرب كحملة رسالة إلى ما وراء حدود الجزيرة العربية».

ومن مظاهر تأثر الرشيد بالشيخ رضا إعطاؤه الأهمية الكبرى للعمل الصحافي مهما أخذ من جهد، وكان الشيخ رشيد رضا قد اطلع خلال دراسته في «المدرسة الوطنية الإسلامية» بلبنان، حيث درس العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية، على إعداد مجلة «العروة الوثقي» التي كان يتعاون على إصدارها كل من الأفغاني وعبده «فكان لذلك تأثير كبير حاسم فيه، فرحل إلى مصر في عام 1315هـ، ليلتقي بالشيخ محمد عبده ويصاحبه».(الحركات الإسلامية في الوطن العربي، جـ2، إشراف د.عبدالغني عماد، بيروت، 2013، ص2463).

ويقول الباحث السعودي محمد بن عبدالله السلمان في كتابه رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الكويت 1988: «والواقع أن أهم مؤلفات رشيد رضا على الإطلاق هي مجلة (المنار)، فعلى الرغم من أنها مجلة مفتوحة أبوابها للأقلام الإسلامية، فإن رشيد رضا قد حرر أكثر أبوابها بنفسه وكتب أكثر مقالاتها، كما نشر على صفحاتها تفسير المنار، وأكثر مؤلفاته أيضا، ومن هنا تأتي أهمية مجلة المنار في أي دراسة حول رشيد رضا، وقد أخذت منا دراسة مجلة المنار والبحث بين صفحاتها ما يتصل بموضوعنا أكثر وأغلب وقتنا وجهدنا، فركزنا عليها في دراسة كافة جوانب هذا البحث فيما يتصل برشيد رضا، واستفدنا من مجلداتها الخمسة والثلاثين كلها». (ص 8-9).

وكان هذا حال المؤرخ والصحافي الرشيد مع مجلة «الكويت» التي أصدرها عام 1928 كأول صحيفة أو مجلة كويتية، حيث كان أبرز كتّابها وأبرز الساهرين عليها والمروجين لها والمتابعين لأحوال وأوضاع المشاركين والمشتركين فيها!

يقول د. الحجي: «واستمر الشيخ عبدالعزيز في إصدار الأعداد المتتالية لمجلته، فكان يقوم مقام رئيس التحرير ومدير التحرير، والمراسل والموزع أحيانا، والمحاسب. ولما ازدادت أعداد المشتركين في مجلته، اضطر لتعيين وكلاء عنه في الخارج لكي يقوموا بجمع الاشتراكات ثم يرسلوها إليه. غير أن هذه المهمة، أي وصول الاشتراكات في الوقت المحدد، كان من أصعب وأشق الأمور على الشيخ عبدالعزيز الرشيد. فأغلب الناس لا يجد ما يجبره على الذهاب ودفع الاشتراكات، بل إن بعضهم لا يدفع إلا بعد إلحاح وإنذار، وهذا ما دعا الشيخ عبدالعزيز إلى تكرار الرجاء عبر مجلته إلى القراء للقيام بدفع ما عليهم من مستحقات للمجلة». (ص 149).

سنواصل الحديث عن كتاب «تاريخ الكويت» وعن مؤلفه المؤرخ عبدالعزيز الرشيد، والذي أعاد طبعه الأستاذ خالد الرشيد... في مقال قادم!

back to top