حلب بين الموت والمقاومة

نشر في 09-05-2016
آخر تحديث 09-05-2016 | 00:01
 خليل علي حيدر أي دفتر من دفاتر الفواجع تفتح، تجد مأساة مروعة بحجم مأساة سورية، وكارثة دامية كالتي تتوالى في مدينة التاريخ والجمال حلب؟ وأي كلمة أو قصيدة في تراث السوريين أو كل العرب، قادرة على التعبير عن رعب الإنسان وهو يرى براميل الموت تنهمر من السماء، والأسقف والبلكونات تتهاوى، والبيوت والشقق تفقد جدرانها وتتعرى، والسكان اليائسون، من نساء وأطفال وعجائز، يتراكضون بلا هدى وقد استبدّ بهم الرعب وضياع الأمل؟

من يستطيع أن يتحمل كل يوم مشاهد الموت المتواصلة، حيث تختفي العوائل في لمح البصر، وتتطاير أعضاء المرضى وهم على أسرّة المرض، وتتمزق الأم وهي تحتضن طفلها، ويضيع الأب بين الأنقاض محاولا إنقاذ من بقي حياً من أفراد أسرته!

أفادت شبكة حقوقية، كما جاء في الصحف، بأن الغارات السورية لحكومة النظام والغارات الروسية قتلت 150 مدنيا في مدينة حلب منذ 20 أبريل، أي خلال أقل من أسبوعين، إضافة إلى تدمير وإصابة 15 موقعا حيويا في ثاني أكبر مدينة سورية، هل يبرر وجود "جبهة النصرة" وتنظيم القاعدة شن مثل هذا الهجوم الأعمى على حلب، ودون التمييز بين ما هو مدني وما هو عسكري؟

تقرير الشبكة الحقوقية أشار إلى أن القوات الحكومية "ما زالت تستخدم سلاح البراميل المتفجرة التي تلقى من السماء وتعتمد على مبدأ السقوط الحر". وقال التقرير إن هذا "سلاح عشوائي بامتياز، ونعتبر أن كل برميل متفجر يُشكل جريمة حرب، لأنه لا يحقق أي معيار من معايير القانون الدولي الإنساني، وما زال مسموحا به على رغم قرارات مجلس الأمن والتقارير والتنديدات، حيث سجلت الشبكة خلال المدة التي يغطيها التقرير قصف القوات الحكومية لـ86 برميلا متفجرا على مدينة حلب".

وقالت الشبكة في التقرير إن "النظام السوري بكل أشكاله وقياداته متورط بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب السوري، وكل من يقدم له العون المادي والسياسي والعسكري كالحكومة الروسية والإيرانية وحزب الله اللبناني وغيرهم وشركات توريد الأسلحة، يعتبر شريكا في تلك الجرائم ويكون عرضة للملاحقة الجنائية". (الحياة، 2/ 5/ 2016).

ونقلت "الشرق الأوسط" افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست الأميركية وقولها "إن القصف المدمر لمستشفى في حلب مساء الأربعاء، والذي قتل ما لا يقل عن خمسين من المدنيين، بمن فيهم عاملون في الحقل الطبي وعدد من الأطفال، لم يكن مجرد حادثة عارضة أو مفاجئة، فمن أسابيع ونظام بشار الأسد يعلن نيته استعادة الجانب الشرقي من حلب الذي تسيطر عليه المعارضة، بمساعدة "شركائنا الروس" بحسب تعبير رئيس وزراء نظام الأسد".

واعتبرت الصحيفة الأميركية أن تفجير المستشفيات وأسواق المواد الغذائية، يعد مكوناً معيارياً لحملات الأسد العسكرية، التي تهدف إلى طرد المدنيين خارج المناطق التي تسيطر عليها المعارضة". (2/ 5/ 2016).

ووصفت إحدى المراسلات المقيمات في بيروت بعد زيارة حلب الحياة فيها تحت القصف وتفجر محتويات البراميل فقالت: "أينما ذهبتم تسمعون دوي انفجار قذائف الهاونات والغارات وهدير الطائرات، السكان يعيشون على حد السكين، كلهم يخشون الموت".

الدمار يهدد دمشق كذلك التي تخشى مصير حلب، وبعد احتدام الصراع في حلب، تسلل الخوف من انهيار الهدنة المعلنة في أطراف وضواحي دمشق إلى أهالي العاصمة، حيث يعيشون حالات من الترقب، مع عودة أصوات القصف والطائرات في ريف دمشق أمس، بعد غيابها شهرين منذ بدء الهدنة في 27 فبراير، ويقول صاحب محل تجاري وسط دمشق، "لم تسقط أي قذيفة على العاصمة منذ بدء الهدنة قبل شهرين، نخاف من تكرار سيناريو حلب في دمشق، ولا شيء مستبعد". وتقول غادة جرجس وهي مدرسة في إحدى مدارس منطقة باب توما بدمشق "إن أطراف النزاع لا تهتم بالمدنيين الذين يدفعون الثمن في كل مكان، وما يجري في حلب دليل على ذلك، وهو مشهد عشناه في دمشق على مدى ثلاث سنوات، ومن الغباء الظن بأننا سنكون بمنأى عن موجه التصعيد الحالية". (الجريدة، 2/ 5/ 2016).

أدت الحرب في سورية إلى نتائج مدمرة اقتصاديا، وقدرت الخسائر الإجمالية المباشرة وغير المباشرة للحرب في سورية بأكثر من 690 مليار دولار في حال توقف الحرب خلال العام الحالي، وفقا لدراسة أجراها مركز "فرونتير إيكونوميكس" الأسترالي التي قالت إن التعافي قد يستغرق سنوات. وتعد تقديرات هذه الدراسة أكبر بنحو 140 ضعفا من تقديرات الأمم المتحدة، بسبب إضافة تقديرات الفرص الضائعة على الاقتصاد والشعب السوري.

وأكد المركز البحثي في دراسته أن "خسائر الاقتصاد السوري المباشرة بعد خمس سنوات من الحرب الطاحنة بلغ نحو 275 مليار دولار بجانب خسائر في معدلات النمو تقدر بنحو 4.5 مليارات دولار شهريا، كما أدى تدهور الاحتياطي النقدي من عشرين مليار دولار قبل الحرب الى نحو 700 مليون دولار للعام الحالي 2016، وفقا لتقرير البنك الدولي، وإلى انخفاض العملة السورية مقابل الدولار بمقدار عشرة أضعاف تقريبا خلال خمس سنوات فقط، وكان كل دولار يعادل 45 ليرة سورية في حين وصل الدولار لمعدل 462 ليرة لكل دولار، بحسب سعر التداول الرسمي، وما بين 500 و510 في السوق السوداء". (الشرق الأوسط، 30/ 4/ 2016).

تحدثت الصحيفة نفسها يوم 2/ 5/ 2016 عن اعتقال أحد الإرهابيين في السعودية من تنظيم داعش يدعى "عقاب" أطلق سراحه سابقا وذهب إلى سورية وعاد إلى المملكة عبر اليمن وكان حلقة الوصل بين الإرهابيين.

العميد بسام عطية من وزارة الداخلية السعودية بين أن الإرهابي يبلغ من العمر 29 عاما، وأن له علاقة بعملية إطلاق النار على المصلين في "مسجد الدالوة" في الأحساء، وبتفجير مسجد قوات الطوارئ في عسير، وبحادثة اغتيال رجل أمن، وكذلك اغتيال العميد "كتّاب ماجد العتيبي"، أحد أبناء القبيلة نفسها!

وبين مسؤول الداخلية "أن عقاب يحمل الشهادة المتوسطة، وينتهج النهج التكفيري وشارك في مخطط إرهابي يستهدف أتباع الطائفة الشيعية في المدينة المنورة، وخطط للخروج إلى العراق، وله عدة كنى حركية في دائرة أعماله الإجرامية الإرهابية"، مشيرا إلى أنه أوقف في عام 1429، ثم خرج إلى مناطق الصراع في سورية عام 1434هـ عبر الكويت وتركيا، وفي سورية انضم إلى "داعش" وتلقى التدريبات والإعداد لتنفيذ أعمال إرهابية داخل السعودية، ثم إلى اليمن ثم دخل السعودية عبر منطقة جازان، واستقر في محافظة خميس مشيط فترة من الزمان، وتوجه بعدها الى ضرماء".

(الشرق الأوسط 2/ 5/ 2016).

بينما تحدثت الصحف عن الأدوار الإرهابية لعقاب العتيبي، تحدثت عن بطولات طبيب في حلب كان يعرض نفسه للموت لإنقاذ المرضى وإسعاف الجرحى في حلب، التي لم يبق فيها سوى ما يقل عن 80 طبيبا... للاهتمام برفع مليون إنسان، لا يزالون يعيشون في القسم الشرقي من المدينة، لأن 95% من الأطباء غادروا أو قتلوا.

وتروي الصحيفة القصة المؤثرة للطبيب الإنساني "محمد وسيم معاذ" فتقول: "وكانت الغارة الجوية التي استهدفت "مستشفى القدس" التي تدعمها "أطباء بلا حدود" كفيلة بإنهاء حياة طبيب الأطفال الشاب، الدكتور محمد وسيم معاذ، مع طبيب أسنان و3 ممرضات. ولقد نذر محمد وسيم معاذ نفسه لخدمة أطفال مدينته حلب، وسط الحرب الضارية التي تضربها، وأصر على البقاء في هذا "الجحيم" رافضا المغادرة إلى أن فارق الحياة وهو يقوم بعمله.

يؤكد زملاء محمد أنه "كان أفضل طبيب أطفال في المنطقة، وعيناه المتعبتان تكشفان وتيرة عمل هذا الطبيب الذي كان يعمل من دون توقف، لإنقاذ حياة أطفال مدينته، سواء كانوا من المرضى أو من جرحى قصف قوات النظام في الأحياء الشرقية للمدينة، الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة". (الشرق الأوسط، 30/ 4/ 2016).

وأضافت الصحيفة أن الدكتور "معاذ" من حلب نفسها، "وكان يعمل خلال النهار في مستشفى الأطفال وليلاً في قسم الطوارئ في "مستشفى القدس". وكانت عائلته قد غادرت حلب إلى تركيا، وكان من المفترض أن يقوم بزيارتها خلال الأيام القليلة المقبلة، لو لم تخطفه الغارة الجوية التي ضربت المستشفى".

إن حلب مدينة شجاعة باسلة عمرها الآن آلاف السنين، وقد لقبت لصمودها بالشهباء، إذ عرفت الكثير من الغزاة والسفاحين والمدمرين... وانتصرت عليهم!

back to top