افصلوا المشروع السياسي عن التنمية
انشغلت الأوساط الشعبية والرسمية في المنطقة خلال اليومين الماضيين بالرؤية الاقتصادية التي أطلقها ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان للمملكة في عام 2030، في لقاء تلفزيوني تحدث فيه عن جوانب كثيرة، أهمها ربما تمكن السعودية من الحياة دون الاعتماد على موارد النفط في عام 2020، وتطرق للمرة الأولى إلى رقابة شعبية على صناديق استثمارية ستنشأ، وتحويل المملكة إلى موقع لوجستي عالمي لنقل البضائع، واعتبر كذلك الأمير محمد أن جسر الملك سلمان الذي سيربط السعودية بمصر حدث مهم في دعم الرؤية الاقتصادية لبلاده.الرياض حددت بإعلان الأمير محمد بن سلمان وجهتها وأهدافها، وقبلها دولة الإمارات العربية التي حددت تصوراتها بالمركز المالي والسياحي في دبي والمشاريع المستقبلية كمدينة مصدر ذات الطاقة النظيفة والمراكز الطبية في أبوظبي، في حين خططت قطر لتكون مركزاً رياضياً وتعليمياً وإعلامياً عالمياً، وكلٌ سعى في مجال خططه لينفذها وفقاً لأعلى مقاييس العمل والأداء والترويج العالمي لها، ووسائل المراقبة ذات المهنية العالية على جودة التنفيذ.
متابعة أداء أشقائنا الخليجيين أمر يشرح الصدر ويسر الخاطر، ولكن المحزن أن أول من وضع خطط التنمية والرؤى المستقبلية في المنطقة هي الكويت في ستينيات القرن الماضي، وأول خطة خمسية مرتبطة بأهداف تنموية وتنويع مصادر الدخل هي أيضا خطة كويتية أُقرت في العام المالي 1985-1986، ولكن ذهبت كل هذه الخطط أدراج الرياح، ولم ينفذ منها سوى المشاريع المرتبطة بالمناقصات المليارية، وكان آخرها الخطط الأخيرة للتنمية 2011-2014.الكويت وضعت عدة خطط لتكون مرة مركزاً سياحياً وتجارياً وللصناعات التحويلية الصغيرة، ومرة أخرى كمركز مالي وتجاري، ولكن في كل مرة كان يتغلب المشروع السياسي على المشروع الاقتصادي، فعندما كانت الدولة تتطلع لأن تكون مركزاً سياحياً كانت السلطة تتحالف مع القوى الدينية المتزمتة التي أغرقت البلاد بالتشريعات المنغلقة التي أخذت الكويت إلى النموذج "الطلباني" بسبب المشروع السياسي، وعندما طرح تصور الكويت المركز المالي (رؤية الكويت عام 2035) وهو ما يحتاج إلى الثقة العالمية في وسائل الرقابة والمحاسبة في البلد كانت السلطة تغض الطرف عن تلاعب المتنفذين في المشاريع الكبرى والبورصة والسوق وفضيحة الإيداعات المليونية والمرتبطة أيضاً بمشروع سياسي.لذا فإن المشروع السياسي هو الغالب على الرؤية التنموية في الكويت، إلى حين أن تقرر السلطة والمتنفذون غير ذلك، وحينها يجب على الدولة أن تختار رؤية مستقبلية جادة لمستقبل الكويت تتواءم مع ظروفها وطبيعة الحكم فيها وتراث شعبها، فلا أعتقد أن ما تختاره الإمارات هو صالح لنا ولا المملكة السعودية، فقد تكون الخصخصة في السعودية ناجعة في بلد كبير ومتنوع، في حين لا تكون صالحة لدينا، وفي كل الأحوال فإن مشروعاً اقتصادياً ورؤية مستقبلية في الكويت لن يتم تنفيذه قبل أن تحسم السلطة قرارها بفصل المشاريع السياسية الخاصة عن إدارة الدولة، ومحاربة الفساد، وكف يد المتنفذين عن اللعب بمقدرات البلد.