إفريقيا واختبار التطعيم

نشر في 10-05-2016
آخر تحديث 10-05-2016 | 00:01
بينما بوسع إفريقيا بذل المزيد من الجهود لتحسين قضية التطعيم، تقع على المجتمع الدولي أيضا مسؤولية بذل جهود مشتركة لتخفيض تكلفة اللقاحات، ويعدّ التخفيض الذي أُعلن عنه مؤخرا لسعر اللقاح المضاد للأمراض الرئوية خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها ليست كافية.
 بروجيكت سنديكيت وَقَّع وزراء الصحة الأفارقة في فبراير المنصرم في أديس أبابا بيانا قوبل بترحيب واسع النطاق تعهدوا فيه بوضع التحصين ضد الأمراض في صدارة جهودهم الرامية لإنقاذ أطفال القارة من الموت والمرض، وهو التزام لا يعدّ الوفاء به أمرا يسيرا، فالتحصين ضد الأمراض ليس مجرد قضية مرتبطة بالصحة، إنما يمثل أيضا تحديا اقتصاديا.

والتطعيم قضية مهمة، فالتحصين ضد الأمراض يصد سنويا قرابة 2 إلى 3 ملايين حالة وفاة بين الأطفال و600 ألف حالة وفاة بين البالغين، فضلا عن أنه أحد أكثر الإجراءات الحكومية المتعلقة بالصحة العامة فعالية من حيث التكلفة للحد من انتشار الأمراض والوفاة والإعاقة بين الأطفال. ووفقا لتقديرات دراسة صدرت مؤخرا، يوفر كل دولار يُنفق في التطعيم 16 دولارا أميركيا من تكلفة علاج الأمراض التي يمكن اتقاؤها بالتطعيم، أما ما يتعلق بقيمة الحياة الأطول والصحة الأفضل للناس، فقد ارتفع صافي عائدات الاستثمار في التحصين ضد الأمراض إلى قرابة 44 ضعف تكلفة التطعيم، ويتجاوز صافي هذه العائدات تكاليف اللقاحات كافة.

وشهد هذا المجال تقدما كبيرا، ففي عام 2014 تم تطعيم 86% من الأطفال ضد الدفتيريا والتتانوس والسعال الديكي مقارنة بأقل من 5% عام 1974، هذا بالإضافة إلى التطورات استثنائية الطابع في عدد وأنواع اللقاحات المتوافرة.

ومع ذلك، وعلى مستوى العالم، لم تتمكن خدمات التحصين الروتينية ضد الأمراض من الوصول إلى قرابة 18.7 مليون رضيع، وتكمن المشكلة بالطبع في إمكانية الوصول إليهم.

ويُظهر التحليل التفصيلي المتعلق بجوانب التحصين ضد الأمراض في إفريقيا تفاوتا كبيرا بين الدول، فأكثر من 60% من الأطفال الرُضَّع ممن لا تطولهم إجراءات التحصين يعيشون في عشر دول فقط: جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والهند وإندونيسيا والعراق ونيجيريا وباكستان والفلبين وأوغندا وجنوب إفريقيا.

وينخفض مستوى خدمات التحصين الروتينية بشكل خاص في إفريقيا، بل إنها في الحقيقة تراجعت للغاية طوال السنوات الثلاث المنصرمة بسبب ضعف موارد الأنظمة الصحية وقلتها، ولهذا لا يزال طفل من بين خمسة أطفال أفارقة لا يتلقى اللقاح اللازم لإنقاذ حياته، وفي عام 2014 كان ما يقدر بنحو 42% من إجمالي وفيات الأطفال في العالم بسبب مرض الحصبة من الأطفال الأفارقة.

وفي إفريقيا يعيش معظم الأطفال الذين لا يتلقون ما يكفي من التطعيم في نيجيريا وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وغينيا، ويشكل الفقراء ممن يعيشون في المناطق الريفية والأسر ذات التعليم المنخفض، غالبية من لا تصل إليهم خدمات التحصين.

ويعد توافر الأموال بلا شك عنصرا رئيسيا في تحديد نتائج التحصين ضد الأمراض، وبالإضافة إلى الأنظمة الصحية التي لا تحظى بالتمويل الكافي، والتي تظل ضعيفة وقاصرة بشكل خاص في المناطق الريفية، تواجه الدول الإفريقية صعوبة في توفير لقاحات جديدة أبهظ ثمنا.

وبينما ينبغي أن تساعدنا اللقاحات الجديدة في إنقاذ المزيد من الأرواح، تُقَدِر منظمة أطباء بلا حدود أن إنتاج لقاحات جديدة رفع تكلفة تطعيم الطفل في معظم بلدان إفريقيا 68 ضِعفا عام 2014 مقارنة بعام 2001، وتشير دراسة أخرى إلى أن إجمالي تكلفة اللقاحات الستة الأولية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية كانت عام 2001 أقل من دولار واحد، وفي عام 2014 زاد عدد اللقاحات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية إلى 11 لقاحا، وبلغت تكلفتها قرابة 21 دولارا أميركيا للصبيان و35 دولارا للبنات، وإذا أضفنا تكلفة التوصيل التي تُقَدّر الآن بنحو 25 دولارا للطفل الواحد، يبلغ اليوم إجمالي تكلفة التحصين الكامل للطفل ضد الأمراض ما بين 50 و60 دولارا أميركيا.

وتوصلت ذات الدراسة إلى أن ميزانيات التحصين ضد الأمراض، في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، غير كافية الآن لتنفيذ برامج التطعيم، ناهيك عن إدراج اللقاحات الجديدة الأغلى سعرا، وكما أشار العديد من وزراء الصحة في أديس أبابا، تتسبب الأسعار المرتفعة للقاحات في إجبار حكومات الدول الفقيرة على اتخاذ خيارات صعبة حول الأمراض المميتة التي يمكنهم تحمل تكلفة اتقائها.

ويشهد الوضع مزيدا من التدهور بالنسبة لبعض البلدان، فقد ألغت "جافي"، المجموعة الدولية التي ساعدت في تمويل التوسع العالمي الهائل في إنتاج لقاحات جديدة، دعمها للبلدان التي قُدر لها أن تخرج من برامج المساعدات، وبدون حق الحصول على الأسعار المنخفضة التي تقدمها جافي قد لا يكون بوسع العديد من هذه البلدان تحمل تكلفة اللقاحات الأحدث.

ولمواجهة هذا التحدي تعهدت القيادات السياسية الإفريقية بالاستثمار في تدعيم قدرات القارة على تطوير لقاحاتها وإنتاجها بنفسها، بيد أن هذه استراتيجية طويلة الأجل ستتطلب تخطيطا منسقا للاستثمار على المستوى الإقليمي فضلا عن تطوير السوق وتوفير قدرات تنظيمية أقوى، أما في المدى القصير والمتوسط، فستُحسن الدول الإفريقية صنعا لو اعتمدت على قوة المفاوضة الجماعية للحصول على صفقات أفضل للقاحات التي تحتاجها.

وبينما بوسع إفريقيا، ويجب عليها، بذل المزيد من الجهود لتحسين قضية التطعيم، تقع على المجتمع الدولي أيضا مسؤولية بذل جهود مشتركة لتخفيض تكلفة اللقاحات، ويعدّ التخفيض الذي أُعلن عنه مؤخرا لسعر اللقاح المضاد للأمراض الرئوية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست كافية، فبدون العمل الجماعي سيظل وصول إفريقيا بشكل عادل ومستدام للقاحات اللازمة يمثل مشكلة رئيسة، وستستمر أرواح الأطفال تفارقنا.

فولاك أولاينكا

* متخصصة في مجال الصحة العامة وزميلة "أصوات أسبن الجديدة" بمعهد أسبن.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top