هلع بغدادي من تقاتُل شيعي والصدر يطلب «أغلى الأثمان»
ليس في وسع الصالونات السياسية ببغداد هذه الأيام، وبسبب تقلب المواقف بسرعة، إلا أن تثير كمية من الأسئلة، لا تملك الوقت للإجابة عنها، فالجميع يستفهم بهلع غير خفي: هل يمكن عقد جلسة برلمان تستكمل اختيار نحو 9 وزراء إضافيين، وترضي الأطراف الرئيسية؟ وإذا كان الوزراء يمثلون الأحزاب، وهو أمر يغضب مقتدى الصدر، فهل سيفعلها التيار الصدري ويقتحم البرلمان محاولاً فرض وزراء «مستقلين» باستخدام غضب الجمهور، كما فعل السبت الماضي، حين أدخل الآلاف من أنصاره إلى قاعة مجلس النواب في حدث غير مسبوق؟وتعود الأزمة الحالية إلى خلاف عميق حول التعديل الوزاري، الذي أعلنه رئيس الحكومة حيدر العبادي، وواجه معارضة واسعة، ثم تسبب في أخطر انقسام تشهده القوى السياسية بالعراق.
أما أخطر الأسئلة فصار يتعلق بميليشيات موالية لإيران ومناوئة للصدر، فقد استعرضت فصائل «الخراساني» في منطقة الجادرية ببغداد أمس الأول، وهي مدخل لمقر الحكومة ورئاسة الجمهورية، وبقيت عدة ساعات وانسحبت، في رسالة إلى الصدر وجمهوره مفادها: إذا أردتم فرض الأمر الواقع فإننا سنستخدم البنادق «الإيرانية» لمنع ذلك!وباتت الرسالة أكثر خطراً بعد أن هتف جمهور الصدر «إيران برا برا»، وهم يتجمهرون داخل المنطقة الحكومية تحت قوس النصر، الذي بناه صدام حسين عام 1989، احتفالاً بما قال إنه انتصار على إيران في حرب الثمانينيات، حتى إن التيار الصدري حاول إصدار توضيحات تتبرأ من هذا الشعار، وتنسبه لأشخاص مندسين، وتحاول التمسك بعلاقة تاريخية مع إيران حتى لو شابتها خلافات حول السياسة. وفي ظل كل هذا لا يبدو أن أحداً يعرف أين هو مقتدى الصدر الآن؟ فالمصادر النجفية تؤكد أنه طار إلى طهران لخوض حوار ساخن بشأن شكل السلطة، حاملاً مطالب بضرورة وقف فوضى السلاح والفصائل التي تدعمها طهران، لكن المصادر الرسمية الإيرانية تنفي وجود زيارة كهذه، أما قادة تيار الصدر فلا ينفون أو يثبتون، ويقولون إن زعيمهم «يعتكف في مكان ديني»!وهذا يطرح سؤالاً آخر: هل أصبح الصدر في أقوى حالاته وهو يتحكم في الغضب المتصاعد لدى العراقيين ضد الطبقة السياسية التي قد تعجز حتى عن دفع مرتبات موظفيها؟ أم أن قوته هذه سترشحه ليصبح ضعيفاً معزولاً، وتوحد الأطراف الأخرى ضده؟بات الصدر يطالب بمنع وصول أي وزير حزبي إلى حكومة حيدر العبادي، وأنقذ منصب الأخير وأعاد الشرعية إلى رئيس البرلمان سليم الجبوري، بعد أن جرى خلعه الشهر الماضي في مشهد دراماتيكي. لكن زعيم التيار صار يعتبر نفسه وصياً على البرلمان والحكومة، مستخدماً غضب الشعب ومتحكماً فيه، وهذه رسالة لا تقلق الأطراف الأخرى فحسب بل وتعيد بناء النظام السياسي العراقي برمته بنحو خطير وبقواعد جديدة، يكون فيها الصدر يائساً من الحوار ومحاولاً فرض قرارات ثورية باسم غضب الجماهير، وهو الوحيد الذي يمتلك جمهوراً يستطيع أن يغضب ثم يهدأ في أي وقت وبطلب من زعيمه.أما العقلاء فهم في حيرة من أمرهم، إذ يحتاجون الصدر لحماية الشرعية أو ما تبقى منها، ومواجهة طموحات الميليشيات الموالية لإيران ونوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، لكن الثمن الذي يطلبه الصدر لقاء هذا يبدو مثيراً لريبة بقية الأطراف.وكل هذه الاستفهامات والتصعيد غير المسبوق على كل المستويات، تثير هلعاً في كبريات مدن العراق من حصول اقتتال بين الشيعة، سيكون أسوأ من أي حرب أهلية، رغم وجود اتصالات مكثفة يقال إنها ستضمن بقاء الصراع «سلمياً»، لأن الوضع على جبهات داعش من الشمال حتى حدود الأردن والسعودية لايزال صعباً، وينبغي أن يوحد جميع الأطراف ولو إلى حين.