ما بعد أوباما!

نشر في 04-05-2016
آخر تحديث 04-05-2016 | 00:01
 صالح القلاب هناك انطباع، بل بالأحرى قناعة عامة وصلت إليها حتى غالبية الأميركيين، بأن هذا الرئيس الأميركي باراك أوباما لا مثله من بين كل الذين سبقوه في "تبهيت" صورة الولايات المتحدة أمام شعبها، الذي يعتبر نفسه من أفضل شعوب الكرة الأرضية، وأمام أصدقائها الذين يحزنهم أن هذه الدولة العظمى باتت تطل عليهم بهذه الوضعية "المهركلة"، التي "لا تسر الصديق ولا تغيظ العدا" وأمام العالم بأسره، ومن بينه المناكفون والمشاكسون الذين يسرهم أن تبدو هذه الدولة الكبرى بهذه الصورة الباهتة المحزنة.

وبالطبع فإن ما أغاظ الأصدقاء في هذه المنطقة، هو أن هذه الدولة العملاقة، التي كانت بإشارة إصبع من رئيسها تجعل الروس يغادرون دولاً كانوا يظنون أنهم باقون فيها إلى الأبد، قد وصل بها اضمحلال القوة والنفوذ إلى حد أن الروس قد احتلوا دولة عربية رئيسية، هي سورية، احتلالاً عسكرياً، بكل توابعه السياسية وتأثيراته الإقليمية، دون أن يرف لهم جفن، ودون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن هناك دولة من المفترض أنها الدولة الأعظم في العالم بأسره، وفي الكرة الأرضية كلها، والدليل أن جون كيري بات يقف أمام سيرغي لافروف كما يقف الطالب المذعور أمام أستاذه المستبد.

هل كان من المتصور يا ترى أن يصل اضمحلال هيبة رئاسة الولايات المتحدة الأميركية إلى حد أن باراك أوباما خاطب بشار الأسد أمس الأول، الذي كان هذا الرئيس الأميركي نفسه قبل فترة قليلة لا يرى أن له أي مكان لا في حاضر سورية ولا في مستقبلها، والذي لا يزال يعتبره غالبية الأميركيين قاتلاً ومجرماً، بلهجة استجدائية طلب منه فيها احترام تعهداته والتزاماته بالهدنة المبرمة بينه وبين المعارضة "المعتدلة"!

ثم وعندما يصل استخفاف صحيفة معاريف الإسرائيلية بالولايات المتحدة، تحت قيادة باراك أوباما، إلى حد القول: إنها، أي أميركا، غدت مصابة بفقر الدم (الأنيميا)، وأن صورتها باتت تتضاءل بشكل ملحوظ، وأنها ستدفع ثمناً باهظاً في فترة قريبة، فإن هذا يجب أن يتلقفه الأميركيون بمنتهى الجدية، وعلى أنه يشكل منتهى الخطورة. وحقيقة إن هذا ليس رأي هذه الجريدة الإسرائيلية، التي من المفترض أنها صديقة للأميركيين، وحدها، بل هو انطباع عام، حتى في هذه المنطقة الحساسة، وحتى في العالم بأسره، وبالتأكيد حتى في الولايات المتحدة نفسها قبل الجميع.

وهكذا، فإن المفترض أن الشعب الأميركي، الذي له كل الاحترام والتقدير، قد أدرك بعد قرابة ثمانية أعوام عجاف من هذا العهد، الذي اقترب من نهايته، أن سياسات باراك أوباما الخارجية كانت كلها فاشلة فعلاً، كما قالت "معاريف" هذه، آنفة الذكر، وكما هو الانطباع الذي غدا سائداً في العالم بأسره، وان أهم إنجازاته في هذا المجال، هو تحويل إيران إلى قوة إقليمية، وتحويل روسيا، الغارقة في الديون حتى عنقها، إلى دولة إن هي ليست عظمى فكبرى على الأقل، وحيث باتت تحتل مكانة الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة تألقه وعنفوانه.

والآن، وحيث لم يبقَ للرئيس باراك أوباما إلا نحو تسعة أشهر فقط، فإنه على من سيحتل مكانه أن يبذل جهوداً مضنية، لاستعادة أصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل وفي العالم بأسره، وتحجيم إيران، وإيقاف تمددها في هذه المنطقة (الصديقة)! وإعادة روسيا إلى مكانتها السابقة المتواضعة، وإلى حجمها الحقيقي، وإعادة تنظيم أوضاع أوروبا المرتبكة، وإطفاء النيران المشتعلة في العديد من دول الشرق الأوسط... وحل القضية الفلسطينية الحل العادل المطلوب، وعلى اعتبار أنها أهم قضايا هذا الجزء من العالم، الذي من الواضح أنه مقبل على استحقاقات خطيرة كثيرة.

back to top